المنوعات

زيارة

23 يونيو 2017
23 يونيو 2017

عادل محمود -

أنا والكاتب حيدر حيدر «أصدقاء عمر»... كما يقولون في دفتر الحنين. عشنا معاً سنوات في جزيرة قبرص.

تعلمنا هناك صيد السمك، والصبر على الأيام التي تمرّ، دون أن ترفرف راياتنا التي حلمنا بها فوق زمن السعادة في الأوطان البعيدة. وهناك صدرت روايته «وليمة لأعشاب البحر» وهي الرواية التي أقامت مصر ولم تقعدها لمدة عام كامل، وأهدر المتعصبون دمه. ولقد واجه حيدر تهديد حياته بشجاعة، وهو

يعيش في معزل ، وحده ، على البحر في طرطوس (سورية) .

في اليوم الذي اشتعلت فيه معركة الكراهية والتكفير في مصر، قررت السفر من دمشق إلى طرطوس لمؤازرة صديقي. والاشتراك بخطة مواجهة هذه الحملة القاتلة. وصلت ليلاً، وعند مدخل حديقة البيت فوجئت بأحدهم يصوّب نحوي بندقية صيد ومصباحاً كهربائياً. ويصرخ ـ كالجندي في الخطوط

الأمامية: قف . من أنت؟

ضحكت وقلت له أنا رفيق حيدر. وعندها قال بحزم: اثبت في مكانك. ونادى الدكتور مجد (الناشر المعروف ابن حيدر). الذي أدخلني إلى البيت، وصادف دخولي لحظة السؤال الأخير الذي طرحه صحفي تلفزيوني، وكان السؤال: أستاذ حيدر...هل أنت ملحد؟

وفيما يستعد حيدر للإجابة، صرخت: «ستوب».

فوجئ الصحفي وأجفل من تدخلي (وهو يعرفني). فقلت: «يا سيد علي هل تعتقد أن من المناسب في هذا الظرف، توجيه هذا السؤال لرجل أفتوا بقتله ، الآن ، على خلفية تكفير بتفسير مفتعل لسطر في رواية منشورة منذ عشرين عاما؟

سكت الصحفي ، وانتهت المقابلة.

مضى زمن، وكتب حيدر ، بعدها ، عدة روايات. وكلما التقينا نتذكر اتفاقنا ـ حين كنا معاً في جزيرة قبرص ـ بأن نكتب رواية مشتركة عنوانها (هو مضمونها) «الطريق إلى عين البوم»، التي لم يزرها إلا بعد أن جرت الكثير من الدماء، في الطريق إلى عين البوم... قريتي . والطريق إلى «حصين البحر»...قرية حيدر. والطريق إلى سوريا ...أحد أقدم أوطان البشرية والأبجدية .

أمس الأول...مررت في الطريق إلى دمشق ، بمنعزل حيدر. فأهديته روايتي الأخيرة «قطعة جحيم لهذه الجنة»:

«إلى الأبدي... حيدوره ، الفهد، صديقي الجالس على فكرة الزمن.

وإلى أسمى (التي أحبها دون ريب)».

وحين أراد إهدائي روايته الجديدة «مفقود» قال: أكتب أنت الإهداء وأنا أوقع، فكتبت:

«ما تبقى من الوقت ... يكفي لكتابة نص مشترك مقرر منذ ربع قرن، نختم به هذه المعركة الطاحنة التي خضناها...الحياة .

وكتب حيدر، أسفل الصفحة: مع الموافقة العميقة.

كانت أسمى (زوجته) تراقبنا بحب ، ثم التمعت ستة عيون بنوع مضيء من الدموع.