روضة الصائم

عبدالله بن مسعود «1»

23 يونيو 2017
23 يونيو 2017

د. سعيد بن سليمان الوائلي -

عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشريعة -

أيها المتابع الكريم، مر عليك سابقا أن من الصحابة المتمكنين في علم التفسير، والذين يشهد لهم بالإمامة في التفسير: الصحابي الجليل ابن مسعود الذي قيل في حقه ما قيل من معاني الإجلال والتكريم، وأنه قد تبوأ مرتبة تالية لترجمان القرآن ابن عباس في بلوغ الأثر في علم التفسير.

إن ما روي عنه في التفسير روايات ليست باليسيرة، وفي حساب عددها ليست بالقليلة، بل هي روايات كثيرة مرتبطة بمعاني النص القرآني، نعرض في هذا المقام طرفا منها، عسى أن نكون مقتبسين منها أنوار هداية تعيننا على حسن العمل بما يرضي ربنا ومولانا العظيم، مذكرين بأن حكم المروي راجع إلى علماء الحديث في نقده، وبيان صحته من ضعفه وقبوله من رده.

روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح فقال ما رأيكم إليه وقال بعضهم لا يستقبلكم بشيء تكرهونه فقالوا سلوه فسألوه عن الروح فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا، فعلمت أنه يوحى إليه فقمت مقامي فلما نزل الوحي قال: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). وابن مسعود في هذا الخبر يصور لنا جانبا من الصراع الذي يدور بين اليهود وأهل الإسلام، فأهل الكتاب ومنهم اليهود الذين يبحثون عن مطاعن للدين ونقائص تؤثر على دعوة الرسول الأمين كان لهم من كيد المكائد وإثارة المكامن ما الله به عليم، وفي هذه الرواية يأتي منهم السؤال عن الروح في صورة تعجيز عن بيان حقيقتها، ولليهود تصورهم عنها، يريدون بذلك الظفر والنيل من النبي، إلا أنه عليه الصلاة والسلام لم يجبهم بشيء حتى أوحي إليه قرآنا يتلى على مسامع الدهر بأعلى بيان وأحكمه.

وفي معنى قوله تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد. في صورة أخرى للعراك بين الخير والشر، تصور لنا الرواية تحطيم الأصنام المنصوبة بمكة، وفي ذلك إعلان بمجيء الحق وذهاب الباطل، وفي مباشرة النبي الكريم للفعل بيده الشريفة وهو يسقطها بطعنها إشارة لعظمة الأمر وبيان لحقيقة الرسالة وإهانة وتحقير لأمر تلك الأنصاب.

ومن ذلك ما جاء في بيان عدة المتوفى عنها زوجها، حيث اختلف أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم في عدة الحامل المتوفّى عنها هل تكون كعدتها من الطلاق بوضع حملها روى أهل الصحيح ما يدل أن عليّ بن أبي طالب قال في عدة الحامل المتوفّى عنها: إن عليها أقصَى الأجلين أي أجل وضع الحمل وأجل الأربعة الأشهر والعشر.. قال ابن مسعود: لَنَزَلَتْ سورة النساء القُصرى أي سورة الطلاق بعد الطولى أي بعد طولى السور وهي البقرة، أي ليست آية سورة البقرة بناسخة لما في آية سورة الطلاق. ويعضدهم خبر سبيعة بنت الحارث الأسلمية توفي زوجها سعدُ بن خولة في حجة الوداع بمكة وتركها حاملاً فوضعت بعد وفاته بخمس عشرة ليلة وقيل بأربعين ليلة. فاستأذنت رسولَ الله في التزوج فقال لها: قد حَلَلْتتِ فانكحي إن شئتِ. روته أم سلمة أم المؤمنين وقبله معظم الصحابة الذين بلغهم.

إن ما يتحفنا به تاريخ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من لقطات لها مؤشرات تدل بصورة ظاهرة أو خفية، على ما للصحابة من دور في بيان معاني القرآن العظيم، ذلك البيان الذي يظهر لنا في صورة مكونات لتفسير النص الذي أنزله الله تعالى بالهدى والنور، وما فيه من خير ورحمة للعالمين.