1043357
1043357
المنوعات

كانت مهمتي متابعة متروكات الشهداء وتسليمها إلى السجلات العسكرية

22 يونيو 2017
22 يونيو 2017

الكاتب المصري محمود الورداني يحكي عن رمضان 73 -

خطابات الجنود تركت تأثيراً شديداً على نفسي لأنني كنت أرى من خلالها ملامحهم -

القاهرة - حسن عوض -

لم يخطط الكاتب المصري الكبير محمود الورداني أثناء فترة خدمته العسكرية في بدايات السبعينات في كتابة رواية عما رآه وعاينه في الحرب. كانت المشاهد التي يراها صعبة إذ أن عمله انصب على متابعة متعلقات الشهداء، يتذكر جيداً رائحة الفورمالين القوية التي كانت دائماً تُشكِّل خلفية المشهد، كان عملاً مؤثراً للغاية ولكنه أضاف إلى خبرته الكثير، ومنحه واحدة من الروايات المهمة، وهي رواية «نوبة رجوع».

يقول محمود الورداني إنه يتذكر أجواء رمضان 73 جيداً حينما اندلعت الحرب، ويضيف: «كنت في الجبهة ولكنهم رحَّلوني منها إلى قسم الشؤون الشخصية والخدمة الاجتماعية، كان هناك شيء جميل في الأمر، وتكاتف غير عادي من الجميع، لم تكن الأمور صعبة وكان يمكنني التحرك كيفما أشاء طالما أنني أؤدي واجبي على أكمل وجه، حتى قبل 10 رمضان، توقيت اندلاع حرب التحرير، لم يكن هناك إحساس بضغط رمضان أو تأثيره على الحياة، فهناك هدف كبير أمام الجميع، ومعركة شبه مرتقبة مع العدو».

ويضيف: «الجنود الذين التحقوا بأماكن ليست لها علاقة بالأعمال العسكرية المباشرة كانوا ينزلون إلى الشارع وأنا منهم. كنا نرى الحماس في عيون الناس. كانوا يوقفوننا ويصافحوننا، ويسألوننا إن كنا نحتاج إلى شيء، وكانوا يرفعون أيديهم بالدعاء لنا. المهم أنني التحقت بقسم الشؤون الشخصية الذي كان يصرف إعانات اجتماعية للجنود، وكان هناك صندوق اسمه: صندوق الجلاء، أمواله لحالات اجتماعية محددة، كولادة زوجات الجنود على سبيل المثال. حينما اندلعت الحرب أصبحت كل المستشفيات العسكرية وغير العسكرية في نطاق القاهرة الكبرى، بدءاً من البدرشين وحتى بنها، مخصصة لاستقبال حالات الإصابات. كان يتم إجلاء الجرحى من الخطوط الأمامية بسرعة شديدة وإعادتهم إلى الخطوط الخلفية التي تتولى نقلهم إلى المستشفيات سريعاً، وبالطبع كان بعضهم يموت، ولا يمكنك أثناء الحرب تسليمه إلى أهله، ولكن كنا نذهب إلى مقابر الشهداء في العباسية، حيث نشارك في دفنه».

ويتابع: «كنت أنتمي إلى قوة، أحد مهامها إعطاء إشارات عسكرية إلى الموجودين في أماكن الدفن بأن هناك شهداء في الطريق، وتلك القوة كانت تشارك أيضاً في فتح المقابر. كانت مهمتي أيضاً متابعة متروكات الجندي، أو مهماته الأميرية، مثل السلسلة التي يعلقها في رقبته وعليها اسمه، وأيضاً الكارنيه الخاص به، أضعها في حقيبة صغيرة مصنوعة من القماش الكاكي، وبالطبع فإنني أسلم هذه المهمات إلى السجلات العسكرية. المتروكات الشخصية كانت أكثر تأثيراً، كان جسدي يرتجف وأنا أطالع، على سبيل المثال، خطابات كتبها الجنود إلى ذويهم، كانت تلك الخطابات شديدة الصدق. أتذكر أيضاً أن هناك خطابات كان يكتبها الجنود لخطيباتهم أو زوجاتهم، كانت هناك أيضاً بقايا علب سجائر في تلك المتعلقات، وقروش قليلة».

صاحب «بيت النار» قال: «كان عندي سجلات ضخمة أدوِّن فيها هذه المتعلقات، وحينما تتراكم لديَّ مجموعة منها كنت أتحرك بها إلى السجلات العسكرية لأسلمها، وأخلي مسؤوليتي. كانت تلك المتعلقات تترك شيئاً في روحي وما زالت تلازمني حتى الآن، لأنها كانت تخبرني عن ملامح الشهداء».

انتهى الورداني من رواية جديدة، يقول إنه يحتاج إلى الابتعاد عنها قليلاً، حتى يستطيع رؤيتها جيداً حينما يعود إليها ليراجعها بشكل نهائي، ويقول إن هذه الرواية وهي بعنوان «قبل لقاء الرئيس» تشبه السيرة الذاتية التي بدأت أكتب أجزاء منها في جريدة «أخبار الأدب».

يعد محمود الورداني واحداً من أهم كتاب جيل السبعينات في مصر. لديه عدد كبير من المجموعات القصصية والروايات التي لاقت اهتماماً نقدياً كبيراً، منها «السير في الحديقة ليلاً، النجوم العالية، في الظل والشمس، الحفل الصباحي، رائحة البرتقال، طعم الحريق، الروض العاطر، وموسيقى المول».