روضة الصائم

الليلة الثالثة: معنى « الجملة »

22 يونيو 2017
22 يونيو 2017

جمال رمضان العيسيين -

المرأة سواء أكانت (أمًا، زوجة، أختا، بنتا..) نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسانية عموما، وعلى الأسرة الإسلامية خصوصا، فهي كخلية نحل لا تكل ولا تمل، تسهر على راحة أفراد الأسرة، وتلبي رغبات الصغير قبل الكبير، تستيقظ قبل الجميع وتنام آخرهم، ولذلك لما رأى نجيب أمه تعد إبريق الشاي كالعادة في همة ونشاط، دعا ربه أن يحفظ والديه، فبين له والده أن عطف الله سبحانه وتعالى في كثير من آيات القرآن الكريم الإحسان للوالدين على عبادته وطاعته، دليل على مكانتهما في الإسلام، قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ). ثم بين له أن الحوار في هذا الموضوع سيكون لاحقا، ثم طلب من ولده نجيب أن يلخص له حوار السهر الماضية، فاسترسل الولد الذكي في الحديث، واستعرض الدرس بكل تفاصيله، فأثنى عليه والده، وأكدت كلامه أمه في اختصار قول الشيخ الجناوني: (يعرف الله بثلاثة: واجب، وجائز، ومستحيل، فالواجب: الأولوهية والربوبية الوحدانية، والجائز: الخلق، الإفناء، الإعادة، المستحيل: الشريك والصاحبة والولد). وهذا لا يكفي حتى يحكم على الإنسان بأنه مسلم، فلا بد أن يقر باللسان، ويعتقد بالقلب، ويعمل بالجوارح بالجملة التي دعا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولفظ الجملة هي مصطلح غير المصطلح الذي عرف عند النحويين، بل هو مصطلح عقائدي خاص بأصحابنا الإباضية، وهو جملة «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وأشهد أن ما جاء به محمد هو الحق من عند الله»، فهي ثلاث جمل في استقلال مفهوم كل واحدة منها وضعا، واعتبارها جملة واحدة، لأن جميعها تؤدي إلى غاية واحدة، وهي الخروج من عهدة الكفر والدخول في عهدة الإسلام.

وقال الشيخ السالمي في غاية المراد:

وأول الفـــــــــرض من تأصيله

جملٌ ثلاثة، فزت إن تستحضر الجملا

وإن أتيت بها نطقا حفظت بها

للنفس والمال، والسبيُ بها حظلا

فالشهادة بأن لا إله إلا الله تفيد وتعني إفراد الخالق بالألوهية، لأنه عز وجل تختلف صفاته عن صفات خلقه، فهو لا يشبههم ولا يشبهونه، لأن صفاته تليق بكمالات الألوهية.

والشهادة بأن محمدا رسول الله، بمعنى الإقرار والتصديق المطلق بأن كل ما بلغه عن الله تعالى هو حق. كذلك يعرف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة، بالواجب: الصدق والأمانة والتبليغ (مكارم الأخلاق)، الجائز: النوم والغلط والنسيان (طبع البشر)، المستحيل: الكذب والغش والخيانة (رذائل الأخلاق).

والشهادة أن كل ما جاء به محمد هو الحق من عند الله: وهو التصديق بجميع الحقائق الغيبية التي أخبر بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- سواء ما كان منصوصا عليها في القرآن أو في الأحاديث النبوية، ومنها : الإيمان بصفات الله وأفعاله، والملائكة وأحوالهم، واليوم الآخر، وبقضاء الله وقدره. وفي الحديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا (حتى يقولوا) أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك (فإذا قالوها)، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام (إلا بحقها).

ولذلك لا يكفي الاعتقاد فقط، بل لابد من النطق بها والعمال بأركانها، والنطق بالجملة يصون النفس البشرية من الحكم عليها بأحكام المشركين، ويترتب على ذلك صون وحفظ من نطق بها عن سفك دمه أو غنم ماله أو سبي ذريته، لأنها حجة فيما بين من نطق بها وبين المسلمين، ولذلك صينت دماء المنافقين الذين أتوا بهذه الجملة بألسنتهم، بينما دواخلهم تقول عكس ذلك، والله هو الذي سيحاسبهم ويجازيهم.

وفجأة، يقطع كوب الشاي حوار الأسرة ويحيل تتمته إلى سمر الليلة القادمة إن شاء الله...