روضة الصائم

عبدالله بن عباس ـ3

22 يونيو 2017
22 يونيو 2017

د. سعيد بن سليمان الوائلي -

عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشريعة -

لو عبرنا عن ترجمة ابن عباس لمعاني القرآن الكريم بأنها: منظومة محكمة، لوجدنا لها من الاتساق والحكمة ما هو فوق التصور، ذلك أن العلم القرآني الذي أوتيه هذا البحر جزء من خير الدعاء النبوي وبركته عندما قال له: «اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل».

وكان من تلك المنظومة التفسيرية ومما روي عنه ما يسنده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من تفسير، فضلا عن المرويات في أسباب النزول.

ومن أمثلة ذلك ما روي عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنكم محشورون وإن ناسا يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم».

ومما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم وابتغ بين ذلك سبيلا.

قوله: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) وقال ابن عباس: الأزلام القداح يقتسمون بها في الأمور، والنصب أنصاب يذبحون عليها. وقال غيره: الزلم القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام والاستقسام أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره به يجيل يدير وقد أعلموا القداح أعلاما بضروب يستقسمون بها.

يعد ابن عباس من أبرز الصحابة الذين فسروا القرآن الكريم بما في اللغة واللسان العربي من معاني الغريب، وقد نقل عنه قدرا كبيرا من ذلك، بل جاء الأثر المروي عنه الذي يقول فيه: «إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب»، ولذلك كان ابن عباس يستشهد على المعاني التفسيرية بما ورد عن العرب من منظومهم ومنثورهم..

ولو أخذنا أمثلة من التفسير اللغوي عند ابن عباس نقف عندها وقفات تأمل، لوجدنا ما يعبر عن مادة غنية في موضوعها، ومن ذلك: ما ورد عنه في تفسير (يعمهون)، قال: يتمادون. وقوله تعالى: (أماني)، قال: أحاديث. وقوله تعالى: (ما ننسخ)، قال: نبدل. وقوله تعالى: (أو ننسها)، قال: نتركها فلا نبدلها.

ومن مثل ما جاء عنه في معنى قوله تعالى: (جنفا) قال: إثما، وقوله: (حوبا كبيرا) قال: إثما عظيما. ويأتي في بعض الآثار المروية عنه ما يدل على اطلاعه على لغات القبائل العربية كلغة هوازن وهذيل واليمن وبني عبس.

وبهذه المعاني، نلحظ المعاني المتسقة في صورة مرتبطة بنصوص الآيات التي يعرضها الصحابي ابن عباس، وإن كانت بصورة إجمالية.

وقد يكون عرض المعنى وتوضيح الفكرة المراد توصيلها، في إطار خاص بلفظ محدد عندما يكون إجابة على سؤال، أو تصحيح فكر لمخاطب.. وقد يكون ذلك في إطار عام لمجموعة مخاطبين أو إلقاء المعنى في ساعة اجتماع على مسامع الحاضرين، بحسب الظروف ومقامات الخطاب، فلكل مقام ما يناسبه من المقال.