روضة الصائم

أدب قضاء: فيما للقاضي وما عليه (16)

20 يونيو 2017
20 يونيو 2017

زهران بن ناصر البراشدي/ القاضي بالمحكمة العليا مسقط -

في تحكيم الحكمين فإنه لما كان أمر الزوجين والاطلاع على ما بينهما من خلاف له من الخصوصية والآداب التي يجب اتخاذها؛ وذلك لعدم الاطلاع على أسرارهما إلا بالقدر الذي يحقق رأب الصدع وتبديد هوة الخلاف؛ سواء أكان بجمع شملهما ومحو آثار الشقاق بينهما، أو بالانفصال بالمعروف، فقد جاء الأمر من الشارع بتحكيم الحكمين - في حال الخلاف بين الزوجين وعدم ظهور المحق منهما من المبطل - في كتاب الله عز وجل فقد قال جل شأنه: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» النساء.

ويشترط في الحكمين: التكليف، والإسلام، والحرية، والعدالة، والاهتداء إلى المقصود لما بعثا له، وأن يكونا من أسرتيهما إن توفر ذلك ليستقصيا أسباب الخلاف ويستشفا عمقه وأبعاده فينظرا ببصيرتهما أنجع الدواء وأقطعه بما يشفي أمرهما؛ سواء بالجمع بينهما ورأب صدعهما وإزالة آثار شقاقهما، أو بالتفريق بينهما إن رأيا استحكام الأمر واستفحال الخطر وعدم إمكانية الألفة بينهما.

وإن اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين غيرهما حتى يجتمعا على شيء، فإن لم يرض الزوجان ببعث الحكمين ولم يتفقا على شيء أدب القاضي الظالم منهما واستوفى للمظلوم حقه.

وقد اختلف الفقهاء في الحكمين هل هما محكمان بمعنى أن لهما أن يفرقا إن أرادا التفريق ويحكم القاضي بما أمضياه عليهما؛ وذلك إن رأيا تعذر الألفة واستمرار الشقاق بينهما وعدم جدوى بقائهما معا؛ أم هما شاهدان - فقط عليهما - أو وكيلان لهما؛ وليس لهما التفريق بل الإصلاح وتبديد مواطن الشقاق، قال بالأول جملة من الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين كما قال بالثاني آخرون ورجح علامة العصر الشيخ المحقق أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة القول الأول لأدلة ذكرها في تحكيم الحكمين.

أما إن ظهر للقاضي المحق من المبطل فليس عليه إلا أن يوصل المحق إلى حقه ويرد المبطل إلى صوابه، والأولى أن يحكم بالتطليق - إن ظهر له موجبه - من غير تنفيذ الطلاق؛ سلامةً له لأجل فتح باب نظر الموضوع من سائر درجات التقاضي؛ خشية فوات الأمر والدخول في مشكل النظر في الموضوع، وسلامة له من المسؤولية، والأصل في الحكم بالفرقة عدم رد الزوجة شيئا مما أخذته؛ إن تم الدخول وكان الشقاق من الزوج، بل يحرم على الزوج أخذ شيء منها إن كان سبب الشقاق منه لأن ذلك من العضل المحرم بنص كتاب الله عز وجل فقد قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا».

أما إن كان الشقاق منها ورأى القاضي عدم إمكانية بقاء الألفة بينهما وضرورة التفريق فله أن يحكم بالفدية؛ وذلك بما دفعه الزوج من مهر أو أقل لا أن يكون أكثر من ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت ابن قيس «أما الزيادة فلا». وقد نظم قانون الأحوال الشخصية ذلك في المواد 102 فما بعدها.