1041080
1041080
روضة الصائم

الشيخ منصور بن ناصر الفارسي.. عالم فقيه وشاعر بليغ

20 يونيو 2017
20 يونيو 2017

ترجل عن صهوة جواده عن عمر يناهز الأربعة والثمانين عاما -

«سموط الفرائد» و«رياض الأزهار» و«الغاية القصوى في الأحكام والفتوى».. أهم مؤلفاته -

حاوره: سالم بن حمدان الحسيني -

ضيفنا اليوم فقيه ولغوي وشاعر بليغ.. بلغ شأوًا عظيمًا، وارتقى مدرجًا سامقًا في العلم، فجمع من العلوم أصنافًا، ومن الفنون أشتاتًا؛ إذ كان عالما فقيها، ومناظرًا لا يفل حده، طرق أغلب أغراض الشعر فكتب في السلوك والسير والمديح والغزل والرثاء.. له من المؤلفات ما يشهد على غزارة حصيلته العلمية، ولو لم يكن له إلا كتاب «رياض الأزهار في معاني الآثار» لكفى شاهدا على ملكته الفقهية العظيمة حيث حوى بين دفتيه سبعة آلاف بيت في قالب شعري أنيق تسحر الألباب عذوبته.. وله أيضا صولات وجولات في ميدان العربية، فهو لغوي وأديب بارع، وخطيب مفوه، فقد شرح مقصورة شاعر الإسلام والعرب الشيخ ناصر بن سالم البهلاني الرواحي شرحًا لطيفًا رائقًا، ظهر من خلاله قوته اللغوية، وبراعته الأدبية، بالإضافة إلى كتابه «الدرة البهية في علم العربية» وكتاب «تقريب الأذهان إلى علمي المعاني والبيان».. انه الشيخ العلّامة الفقيه القاضي منصور بن ناصر بن محمد بن سيف الفارسي الخروصي.

كان والده الشيخ ناصر بن محمد بن سيف الفارسي أحد زعماء القبائل المرموقين في عمان وكعبة القاصدين في وادي سمائل، لقب «بأبي المكارم» وذلك؛ لجوده وكرمه، ترأس قبيلته في حياة أبيه، وكان ذا فطنة ونباهة ودراية، وكان سياسيًّا محنَّكًا.. حتى نقترب أكثر من هذه الشخصية الفذة ونتعرف على جوانب أخرى من حياته العلمية والعملية.. توجهنا إلى لزيارة ابنه الشيخ ناصر بمنزله الكائن بمنطقة الخطم ببلدة فنجاء من أعمال ولاية بدبد.. فكان تواضع الشيخ وحسن خلقه وحفاوة استقباله سيد اللقاء.

كان سؤالنا الأول عن نشأة والده الشيخ وبداياته العلمية والأدبية فقال: ولد الشيخ الوالد عام 1313هـ ببلده فنجا الحاضنة لثلة من العلماء والقضاة والزهاد والعباد، ونشأ في كنف والده ناصر بن محمد، وفي بيئة يسودها العلم والمعرفة وتزخر بعدد من العلماء والقضاة وقد قرأ القرآن الكريم وهو صغير في مدرسة للقرآن الكريم بفنجا، ثم قرأ علم العقيدة ومبادئ الدين الإسلامي على يد جده العلامة الشيخ محمد بن سيف الفارسي - رحمه الله - فكان الجد يولي تعليم حفيده عناية بالغة، ثم تعلم مبادئ النحو على يد الشيخ سالم بن فريش الشامسي أحد تلاميذ جده.

وأضاف: وفي عام 1334هـ طمحت نفسه لمواصلة طلب العلم فرحل إلى نزوى حيث كعبة العلم والعلماء وهناك التقى بفحول العلم، فأخذ علم النحو من سيبويه زمانه العلامة حامد بن ناصر، ثم رحل إلى منح فلازم الشيخ قسور بن حمود الراشدي فأخذ عنه علم التصريف، ثم عاد إلى نزوى ولازم العلامة الزاهد سليمان الكندي وأخذ عنه علوم البلاغة من معان وبيان وبديع وأخذ عنه كذلك أصول الدين والفرائض، وأخذ علم الفقه أصوله وفروعه من العلماء الأجلاء: الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، والشيخ عامر بن خميس المالكي، والشيخ عبدالله بن عامر العزري، والشيخ سعيد بن أحمد الكندي، والشيخ حمد بن عبيد السليمي، والشيخ سالم بن فريش الشامسي.

أما عن أشهر تلامذة الشيخ فقال: بعد أن أصبح الشيخ الوالد ضليعًا في علوم الشريعة لم يكن هناك مناص من أن يستقبل وفود طلاب العلم لينهلوا من معينه الصافي ففتح مدرستين: الأولى بفنجا: حيث عينه الإمام الخليلي في عام 1339هـ معلمًا للعلوم الشرعية من عقيدة وفقه ونحو وعلوم البلاغة وغيرها بمسجد الجماعة بفنجا فتخرج من هذه المدرسة جملة من القضاة والعلماء والشعراء منهم: الشيخ القاضي عيسى بن سالم بن فريش الشامسي وشيخ النحويين العلامة حمدان بن خُميِّس اليوسفي وشاعر بني همدان القاضي خالد بن هلال الرحبي والمعلم موسى بن عثمان الحارثي وغيرهم.

والمدرسة الثانية بنزوى: وفتح هذه المدرسة عندما عينه الإمام قاضيًا على نزوى خلفًا للعلامة القاضي عبدالله بن عامر العزري عام 1361هـ، وبعد أن ذاع صيته وسارت به الركبان توافد طلاب العلم إليه ففتح هذه المدرسة ولكنها في الفترة الليلية بعد المغرب، لأنه مشغول طول نهاره بالقضاء ومصالح الناس، فتخرج من هذه المدرسة من الطلاب ما يزيد على الأربعين طالبًا منهم من أصبح قاضيًا ومنهم من أصبح معلمًا، ونذكر منهم: الشيخ محمد بن زاهر بن غصن الهنائي والشيخ عبدالله بن زاهر بن غصن الهنائي والشيخ علي بن زاهر بن غصن الهنائي وخلفان بن حارث البوسعيدي ومحمد بن ناصر بن سلوم أمبوسعيدي والشيخ القاضي حمد بن محمد بن زهير الفارسي والشيخ القاضي سيف بن حمدان السبتي والشيخ القاضي سيف بن محمد الفارسي وغيرهم.

أما عن حياة الشيخ منصور العملية فأوضح قائلا: بدأ الشيخ الوالد حياته العملية في بداية شبابه بصياغة الذهب والفضة فكفته لمعيشته وقوام أوده، ثم معلما للعلوم الشرعية بمسجد الجماعة بفنجا وذلك بتكليف من الإمام الخليلي عام 1339هـ بعد أن رأى كفاءته لهذه المهمة، بعدها عينه الإمام الخليلي قاضيًا على ولاية بدبد وذلك في عام 1342هـ، وفي عام 1361هـ توفي قاضي الإمام بنزوى الشيخ عبدالله بن عامر العزري فوقع اختيار الإمام على الشيخ منصور بن ناصر الفارسي لما رأى فيه من الأهلية لتحمل هذه الوظيفة، إضافة إلى ذلك فقد كُلِّف الشيخ الوالد بالإشراف على بيت مال المسلمين فقام به خير قيام إلى أن قدم استقالته عام 1367هـ، وتحمل عدة وظائف في دولة وظل قاضيًا في نزوى إلى وفاة الإمام الخليلي ثم أقره الإمام غالب بن علي الهنائي كذلك، وفي عهد السلطان سعيد بن تيمور أقره قاضيًا على نزوى كذلك، وجعله هو والشيخ خلفان بن جميل السيابي مرجعًا لحل العويص من القضايا الشرعية يستدعيهما لحلها بمسقط بين الحين والآخر حتى ضعف عن ذلك، فأبقاه على ما هو عليه من احترام، ولكنه معذور عن العمل، وهكذا ظل في عهد ابنه جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - إلى أن توفي.

أما عن مكنة الشيخ منصور الشعرية فأشار انه إضافة إلى ما ذكرنا من مكنة الوالد الشيخ الفقهية واللغوية فقد كان شاعرًا بليغًا طرق أغلب أغراض الشعر فكتب في السلوك والسير والمديح والغزل والرثاء وغيرها. وله ديوان مطبوع سمّاه: سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد، أتى فيه بقصائد غرّاء تفوح بلاغة وعذوبة، تنم عن شاعرية فذة، وللشيخ الوالد خطبة طويلة بليغة ألقاها عندما دخل الإمام بلدة الطو، امتدح فيها الإمام الخليلي وذكر انتصاراته، وحيا المسلمين الذين ناصروه.

وعن أهم مؤلفاته فذكر لنا ان ان مؤلفات والده تربو على 15مؤلفا أهمها: «الدرر المنثورة في شرح المقصورة» (مطبوع): وهو شرح لقصيدة المقصورة لأبي مسلم ناصر بن سالم البهلاني، ويقع في مجلد واحد. و«سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد» (أيضا مطبوع) ويحوي قصائد شعرية جمعها ضمن كتاب واحد، قسمه إلى اثني عشر بابًا، و«عنوان الآثار» ويتضمن أسئلة وأجوبة فقهية نثرية ونظمية عن عدد من العلماء خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، وكتاب «رياض الأزهار وحلية الأسفار» (معدّ للطباعة) وهو عبارة عن مجموع قصائد في الأديان والأحكام بلغ عددها تسعًا وثلاثين قصيدة. و«الغاية القصوى في الأحكام والفتوى» (أيضا معدّ للطباعة) يحوي مجموع أسئلة وأجوبة نظمية، فالأسئلة عن عدد من مشايخ العلم الذين عاصروه، والأجوبة عنه، يقع في مجلد واحد، يحتوى على ما يقارب مائتين وخمسين صفحة. و«هداية الرحمن في ثبوت خلق القرآن» ( كذلك معدّ للطباعة) أوضح فيه المؤلف الأدلة من القرآن والسنة والعقل على خلق القرآن، ورد على القائلين بأن القرآن قديم غير مخلوق، ويقع في مجلد واحد. و«الدرة البهية في علم العربية» (مطبوع): وهو عبارة عن شرح لأرجوزة في النحو والصرف نظمهما المؤلف نفسه، يقع في مجلد واحد. و«رسالة الدليل الواضح في حط الجوائح (معدّ للطباعة): وهي رسالة رد فيها المؤلف على اعتراضات الشيخ عيسى بن صالح الحارثي والشيخ غالب بن علي الهنائي في مسألة حط الجوائح.

ومن مؤلفاته أيضا: «رسالة الكلمة المحكمة في الرد على قضاة المحكمة (معدّ للطباعة): وهي رسالة صغيرة الحجم رد فيها المؤلف على رأي قضاة محكمة مسقط في أحكام قضائية. و«الدليل والبرهان في إقامة الجمعة لوجود السلطان» (معدّ للطباعة): تضمن رسالة تناولت باستفاضة حكم إقامة الجمعة في غير عهد الإمامة. و«منظومة العقد الفريد في خالص التوحيد»، طبعت ضمن ديوان «سموط الفرائد»، وقد شرحها الشيخ حمد بن عبيد السليمي شرحا متوسطا وسماه «الدرّ النضيد في شرح العقد الفريد في خالص التوحيد» (مخطوط). و«رسالة في الأروش: ولكنها متمزقة وغير مكتملة، استحال جمعها، وتعذر ترميمها. و«قصيدة في الجروح والأروش»: من بحر الوافر على قافية الراء، وقد عبر عن التأريش فيها بالقروش الفرنسيسة. و«تقريب الأذهان إلى علمي المعاني والبيان (معد للطباعة): وضعه المؤلف للمبتدئين في علم البلاغة من معان وبيان وبديع، يقع في مجلد واحد كبير. و«مسائل وأجوبة نثرية ونظمية: متفرقة في كثير من الكتب مثل: زاد الأنام للشيخ سيف الفارسي، وإرشاد السائل للسيد حمد البوسعيدي.

أما عن تاريخ وفاته فأوضح الشيخ ناصر أن والده توفي عن عمر يناهز الأربعة والثمانين عاما في 27 من جمادى الثانية سنة 1396هـ/‏ 25 يوليو 1976م، ودفن في نزوى، وكانت مدة إقامته بها أربعًا وخمسين سنة، كان عطاؤه خلالها متواصلًا وسخيًا بلا حدود.