روضة الصائم

علم المنطق: القياس الاقتراني- والاستقراء- التقبيح والتحسين

20 يونيو 2017
20 يونيو 2017

علي بن سالم الرواحي -

إن الدين الاسلامي دين فكر وعلم وعمل, متفتح على جميع العلوم البشرية المفيدة, ومن ذلك علم المنطق, جاء لعمارة الأرض وفق منهج سماوي مستقيم, يضمن السعادة للصالحين في الدارين.

توقفنا في الحلقة السابقة عند القياس الاقتراني وسنتابع الحديث عنه, ونرد مسألة التقبيح والتحسين في الأشياء.

القياس الاقتراني

يتكون القياس الاقتراني من ثلاثة حدود ترد في مقدمتيه الكبرى والصغرى وهي: الحد الأكبر, والحد الأوسط (المشترك), والحد الأصغر, فتشتمل المقدمة الكبرى وهي التي أفرادها أكبر عدداً على الحد الأكبر, وتقابلها المقدمة الصغرى ذات الأفراد الأقل عدداً وتشتمل على الحد الأصغر, بينما يتكرر الحد الأوسط لمعرفة النسبة المجهولة بين محمول النتيجة وموضوعها, والمثال عليه ما يلي:

النحاس معدن (مقدمة صغرى)

كل معدن موصل للكهرباء (مقدمة كبرى)

فالحد المشترك هو (معدن), والحد الأصغر هو (النحاس), والحد الأكبر هو (موصل للكهرباء)

فأثناء الاستنتاج تدمج المقدمتين مع إلغاء الحد الأوسط, فتكون النتيجة (النحاس موصل للكهرباء).

وينقسم القياس الاقتراني إلى حملي وشرطي, فالحملي ما حكم فيه ثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه, والشرطي ما حكم فيه بثبوت نسبة بين قضيتين أو نفيها ويكون إذا كانت أحدى مقدماته فصاعداً شرطية.

مثال القياس الاقتراني الحملي:

مدينة نزوى تقع في عمان

عمان دولة عربية

النتيجة: نزوى مدينة عربية.

ومثال القياس الاقتراني الشرطي:

زيد شاعر

إن كان زيد شاعراً، فله مكافأة

النتيجة : زيد له مكافأة

مثال آخر:

كلما كان زيد مجتهداً كان متفوقاً

وكما كان متفوقاً دخل الجامعة

النتيجة: كلما اذا كان زيد مجتهداً دخل الجامعة.

وبالاستناد إلى ما مضى لا يخفى عليك أخي القاري ما في المنطق القياسي أو الأرسطي, من فائدة تتمثل أغلبها في إسدائه لنا النتائج المفيدة التي نبحث عنها .

ولقد وظف المسلمون هذا المنطق وخلصوه من الشوائب الدينية, حتى صار مستخدماً في علم الكلام وعلم اصول الفقه, وعلم التصوف, ورد الشبهات ضد القرآن والسنة والإسلام.

الاستقراء المنطقي

نأتي إلى الاستقراء المنطقي وهو قسيم القياس وعكسه, حيث ينقسم إلى قسمين: الأول استقراء منطقي تام بأن يستغرق جميع جزئيات الكل, وحكمه يفيد القطع, والثاني استقراء منطقي ناقص يكون بتتبع بعض جزئيات الكل, وحكمه الظن, لأن قد يظن الموضوع ليس ممن يشمله الاستقراء, وبالتالي مخالف لما استقرئ.

وإذا كان القياس المنطقي بهذه الفائدة التي رأيناها سابقاً, وإذا كان هذا القياس مطهراً من المخالفات الشرعية, فإنه حري بنا أن نستخدمه في علومنا الدينية ويكون طبق قواعد ايمانية رصينة, تنطلق من أركان الإيمان الستة, حتى نميز بين أحكام الأعمال من خير وشر بميزان الوحي المعصوم, ويترجمه إلى واقع بالإرادة المكنونة في العقل حيث إنه ميزان السلوك, أما المنطق والشرع فهما ميزان العقل.

وليس كـــــــل أسلوب إسلامي مضمونه إسلامي, فقد يكون شخصاً خلوقاً لكنه غير مسلم, وقد يكون شخصاً ظالماً لكنه مسلم.

التمثيل

والتمثيل هو تصوير حالة غائبة بحالة مشاهدة, فكل تمثيل تشبيه, وليس كل تشبيه تمثيل, ومن أمثلته قوله تعالى:(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)(البقرة), فصوّر الله المنافقين وهم لا ينتفعون بالإيمان بحال من استوقد ناراً ثم ذهب الله بنورها, فلم يستفيدوا بها.

التقبيح والتحسين للشرع أم للعقل

أن العقل هو أساس التكليف, وبه خاطبنا سبحانه وتعالى, وهو نوعان: غريزي ومكتسب، فالأول له حد يتعلق به التكليف لا يقصر عنه ولا يتجاوزه فمن حازه كان عاقلاً, والثاني كسبي يكتسب بالتجارب وبالتعلم, فالعقل الضروري يدرك الممكنات، والواجبات، والممتنعات من المعقولات ويدرك المشاعر والوجدانيات و قد يستغني عن العقل الكسبي ولا يصح العكس ,لكن بفقدان العقل الكسبي تُفْقَد الفضائل , قال الإمام علي كرم الله وجهه:

رأيت العقل عقلين... فمطبوع ومسموعُ

ولا ينفع مســـــــــموعُ... إذا لـــم يكُ مطبوعُ

كما لا تنفع الشمسُ... وضوء العين ممنوعُ

وذكر سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن العقل والشرع هما ينبوع الهداية، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر لما يؤدي إليه من تعطيلهما معاً...أي أن العقل لا ينفع بدون الوحي لأن مدركاته محدودة, ولا يفهم الوحي بدون العقل بل لا بد للإنسان من إعمالهما معاً. ولا بد من العاقل الذي عرف الحق والباطل أن يتبع الحق ويذر الباطل, وإلا انتفى عنه وصف العاقل, قال تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(البقرة: 171)

وهل التحسين والتقبيح في الأشياء مناطه الشرع أم العقل؟, فإنا نجد أشياء لا تفسّر بالعقل مثلاً عند علماء الفيزياء والكيمياء المادة والطاقة لا يفنيان ولا يستحدثان وإنما يتحولان من صورة إلى أخرى, وهذا صحيح وفق الطاقة البشرية لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للقدرة الربانية التي تخلق العدم و تعدم الموجود أو ليس الكون كله كان عدماً ألم يجده الله أو ليس عيسى وُلِد بلا أب فمن أوجده أو ليس امرأة ابراهيم عقيماً وامرأة زكريا عاقراً فمن الذي جعلهما تلدان... ومن أسرى وعرج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في ساعة من الليل حتى بلغ سدرة المنتهى ومن الذي حوّل عصا إلى حية ثم إلى عصا ومن الذي شق البحر حتى جعل ماءه كالطود العظيم وفجر من الحجر الصماء بضرب بالعصا حتى تفجر اثنتا عشرة عيناً ومن الذي جعل النار المستعرة برداً وسلاماً على ابراهيم ومن سخر الريح لسليمان وأجرى عين القطر لداود ومن الذي أحضر عرش بلقيس قبل ارتداد البصر ومن الذي أحيى الموتى علي يدي عيسى عليه السلام ومن الذي خلق الطير على يديه كذلك وشفى الأكمه والأبرص ومن الذي شفى أيوب وكان مرضه مستعصياً جداً ومن أحيا القتيل بضربه ببعض البقرة المذبوحة, نرى مما سبق أن العقل محدود, محدود بالحواس وبعلم الشهادة, فكذلك هو محدود في تشريع الأحكام, فأحكامه ليست صائبة للكمال, خلاف الأحكام الدينية, وإذا كان العقل يعرف الخير من الشر, فهو قد لا يعرف المفسد من المصلح, والله أعلم.

ما هي الأدلة العقلية إجمالاً ومنابع منطق الإسلام؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله.