Untitled-1
Untitled-1
روضة الصائم

موسوعات عمانية - أجوبة الشيخ ابن عبيدان مخطوطة موسوعية احتوت على مسائل متنوعة في مختلف أبواب الشريعة

20 يونيو 2017
20 يونيو 2017

إدريس باحامد القراري -

يتواصل بنا الحديث عن مخطوطات عمانية مهمة اتَّسَمَت بالموسوعية في الطرح، والدقة في العرض، والإجادة في التأليف والتوليف، وحديثا اليوم عن قطعة مهمة تتعلق بأجوبة الشيخ العلامة: محمد بن عبد الله بن جمعة بن عبيدان النزوي، وهو كما اشتهرت تسميته: ابن عبيدان نسبة إلى جدّه، هذا العالم الجليل الذي كان ضريرا على الصحيح إلا أن ذلك لم يمنعه من الاغتراف من معين العلم الصافي، والذبِّ عن حياض الإسلام بما وهبه الله سبحانه وتعالى من نور بصيرة، وقوة إرادة، فكانت ثمرته ذلك النتاج الفقهي المتنوع، ويكفيه شرفا نقل العلماء من بعده لأقواله والاستشهاد بها في مصنّفاتهم الفقهية، كما كان الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الخراسيني يفعل في كتابه فواكه العلوم في طاعة الحي القيّوم.

حديثنا اليوم سنخصص لقطعة مهمة من أجوبة الشيخ ابن عبيدان كما يسميها البعض، والتي تحمل رقم: 1110 في خزانة حرف الألف بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، هذه القطعة لها أهمية بالغة من حيث مضمونها ومن حيث تاريخ ومكان نسخها بل وزمان نسخها، فقد حوت هذه المخطوطة على مسائل متنوعة في مختلف أبواب الشريعة الأمر الذي جعلني ألقب هذه المخطوطة بالمنثورة ولكن نظرا لتوسعها في كثير من المواضيع أسميتها تجاوزا منثورة موسوعية، لما فيها من تفصيل بعض أحكام المسائل التي يحتاج إليها كثير من الناس، ولا غرابة في ذلك حينما نعلم أن صاحب هذه الأجوبة كان قاضيا، الأمر الذي مكَّنَه من الاطلاع على عدّة مسائل وحرَّر أجوبَةً قيِّمَة فيها، فالقارئ في هذه المنثورة الموسوعية يستمتع وهو يتعَرَّف على أحكام الصلاة، وأحكام الميراث، وأحكام أركان الإسلام الأخرى، كما يستمتع بمعرفة عديد من أحكام فقه الأسرة، وعديد من أنواع الألفاظ التي تُقيَّد بها المعاملات، وعديد من جوانب أبواب المعاملات، وتسيير الأفلاج وغيرها من أحكام المساقاة والمزارعة، إضافة إلى بعض الجزئيات الدَّقِيقة التي قد يَغفُل عنها البعض؛ كما هو الحال فيما يتعلَّق بحقوق الأزواج، ولم يُغفِل الشّيخُ الحديث عن بعض المسائل المتعلِّقَة بالشرك الخفي الذي يقع فيه البعض دون علم، فبيّن المقصود بالحروز وما الغاية من ذلك، في جواب قيّم أورده الجامع لهذه الجوابات، وهو موضوع كَثُرَ فيه الحديث؛ لذا وجب على أمثال هؤلاء العلماء التوضيح والبيان؛ لئلا يقع الناس في المحذور دون علم.

ومن المهم جدا معرفة ضبط الألفاظ المتعلقة بكثير من المعاملات مما يلزم على الإنسان معرفته أثناء تقييده لمعاملة وهذه المخطوطة تقرّب إلى المعنيِّ كيفية تقييد ذلك اللفظ، سواء تعلق اللفظ بألفاظ النكاح، أو ألفاظ البيوع، وما إلى ذلك، جدير بالذكر أن نشير إلى أن هذه المخطوطة تقع في 463 صفحة، من الحجم المتوسط بمقاس: 21 سم طولا و15 سم عرضا، عدد الأسطر في كل صفحة 17 تقريبا، مكتوب بخط نسخ مشرقي مفهوم لا يجد القارئ فيه صعوبة إلا ما ندر، ورقه قديم متأثر بالرطوبة والملوحة، وعليه آثار سوائل كثيرة، ولواحق عديدة، لم تسلم بعض الصفحات من تآكل على مستوى الحواف، وخرم بسيط أدى إلى إتلاف نزر يسير من الجمل والكلمات؛ الأمر الذي يستلزم من القارئ التدقيق لإكمال المعنى المقصود، أو مقارنته بغير هذه النسخة من الأجوبة، من العجيب أن لا أجد ذكرا لاسم الناسخ، أو على الراجح الجامع، مع أن البيانات في حرد المتن جاءت كاملة تقريبا، فقد ورد في حرد المتن ما يلي:

« تمّت جوابات الشيخ العالم الفقيه محمد بن عبد الله بن جمعة بن عبيدان رحمه الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلّم تسليما، وكان تمامه عصر الأربعاء وتسعة وعشرين ليلة خلت من شهر جمادى الأخرى من شهور سنة أربع سنين وعشرين سنة ومائة سنة بعد ألف سنة من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلاة والسَّلام، وهو للشيخ الثقة محمد بن صالح بن سليمان بن أحمد بن موسى رزقه الله حفظه، وذلك في عصر الإمام العادل سلطان بن سعيد بن سلطان بن سيف بن مالك اليعربي أعزّه الله ونصره آمين يا رب العالمين». مِمَّا يلاحظ على هذه القطعة أن أرقام الصفحات مضافة بقلم الرصاص، وعليها هوامش توضيحية لبعض المسائل التي احتاجت إلى توضيح وتعقيب، بيد أن الملاحظ عليها اختلاف الحبر والخط في كثير منها؛ الأمر الذي جعلني أعتقد أن بعض ملاّك النسخة تصرفوا في ذلك وأضافوا بعض الأمور وهذا ما يستدعي من الباحثين التحقق لئلا ينسب إلى الشيخ ما لم يقله وحتى تعرف آراء الشيخ من غيره.

والمتمعن في هذه المنثورة الموسوعية يتعرف على أسماء علماء كثر ورد ذكرهم أمثال: الشيخ بشير بن سعيد بن عبد الله العزري، والشيخ مسعود بن رمضان، والشيخ صالح بن سعيد الزاملي.

ومما يجعلني أتأكد أن الكتاب جُمِعَ جَمْعًا من قبل غير الشيخ ما يتردد ذكره: ومن جواب الشيخ الفقيه محمد بن عبد الله بن جمعة رحمه الله، فهذه المنثورة الموسوعية حوت أجوبة الشيخ ابن عبيدان وبعض العلماء. فهل الجامع لها هو الفقيه سعيد بن عبد الله بن مبارك الراشدي الأدمي، أم أن جامع هذه الجوابات غيره، خاصة إن علمنا أن الشيخ البراشدي قد جمع بعضا من أجوبة الشيخ ابن عبيدان في كتاب قيم سمّاه: جواهر الآثار.