أفكار وآراء

خمســون عــامــاً على حـرب 67

19 يونيو 2017
19 يونيو 2017

عبد الله العليان -

في هذا الشهر منذ خمسين عاما، وقعت حرب عام 1967، التي تم تسميتها بعام النكسة، التي احتلت فيها أراض من مصر وسوريا والأردن، وكل الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشريف، فلا شك أن هذه الحرب تعد أسوأ هزيمة عربية في العصر الحديث، إذ حققت لإسرائيل ما كانت لتحلم به من مكاسب سياسة واستراتيجية من العرب، وسببها أخطاء سياسية قاتلة في القرار العربي آنذاك، والتي دفعت إلى هذه الحرب، دون أن تتحقق القدرات العسكرية التكتيكية لهذه الأمة من هذه الحرب،وهو ما اعترف به الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي اعترف بهذه النكسة، وتحّمل المسؤولية، وقدم استقالته للشعب المصري، لكن عدل عن هذه الاستقالة بعد ما خرج الشعب المصري، مطالباً بعودته، واستكمال مسؤولياته حتى إنهاء آثار العدوان. ومع أن قرارات مجلس الأمن بعد أيام فقط، طلبت بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، إلا أن إسرائيل رفضت الإذعان لهذه القرارات للقرارات الأممية، وأصرت على الاحتفاظ بهذه الأراضي، مقابل الاعتراف بإسرائيل من خلال مفاوضات مباشرة الخ: لكن بعد اتفاقية (كامب ديفيد)، التي أبرمت بين مصر وإسرائيل في عهد الرئيس الراحل أنور السادات،استعادت مصر أراضيها المحتلة، وثم استعادت الأردن أرضها بموجب اتفاقية وادي عربة، وبقيت الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت الاحتلال،ثم تم إقامة سلطة فلسطينية على الضفة والقطاع في التسعينات من القرن الماضي، لكن لماذا استطاعت إسرائيل هزيمة ثلاث دول عربية؟ بينما لم تستطع أن تلحق هزيمة بحزب الله اللبناني وحركة حماس في حروب واستهداف لهم في حروب،على الرغم من القوة الإسرائيلية الكبيرة، والفارق الكبير بينهما على كل المستويات، ما عدا حرب 1973، الذي سقطت فيه ( نظرية الأمن الإسرائيلية) التي أقامتها إسرائيل بالعنف تارة ، وبالجبروت تارة أخرى، وهذا ما يعطي الدليل أن إسرائيل، ليست بذلك العملاق الذي لا يقهر.

الحقيقة أن هناك أخطاء عسكرية كبيرة في هذه الحرب، جعلت إسرائيل تستولي على اراض عربية في الدول الثلاث، وتلحق هزيمة ثقيلة بها ، قد يقال ، كما يرى د. عزمي بشارة، إن «إسرائيل حسمت المعركة من الجوّ، حين أبادت سلاحَ الطيران المصري وهو رابضٌ في المطارات، ولكنْ حتى جيوش الأنظمة غير الديمقراطيّة والمتخلفة والقمعية يمكنها الصمود على نحوٍ أفضل بعد تدمير سلاح الطيران. والمقاومة في أنحاء العالم كلِّه، ومنها مقاوماتٌ عربيّة في غزة وفي لبنان، تُثبت أنّه بالإمكان الصمود من دون سلاح طيران. وربما لا يمكن تحقيق انتصار، ولكنْ يمكن بالتأكيد ردْعُ العدوان، والصمود. وهذه كلُّها أمورٌ متعلقة بفهمِ النسبة بين قدرات العدو والقدرات الذاتيّة، وتكييف وسائل القتال ومناهجها بموجب ذلك. ثمّة أمورٌ كثيرة يجب أن تُدرس ويستفاد منها على هذا المستوى». لكن هذه التحليلات أو التبريرات بعد هذه الحرب، تحتاج إلى مراجعة عميقة وواسعة، كيف خسرنا في هذه الحرب، في ظل جيوش عربية جرارة، وأسلحة ليست تستطيع أن تلحق الهزيمة الكبيرة ؟ فلو أن القيادات تملك القدرات المؤهلة لإدارة هذه القوات وأسلحتها لتغير الموقف عسكرياً، وفعلا كانت هناك أخطاء كبيرة، سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً، وربما أن الحرب نفسها في ذلك التوقيت، لم تكن في وقتها مناسب، وهذا ـ كما قيل ـ إن قيادات عسكرية مصرية، كانت لها اعتراضات وملاحظات على توقيت حشود القوات المصرية بالأخص، ومنهم قائد القوات الجوية آنذاك، والحديث عن الاستعداد لهذه الحرب تنقصه الكثير من التكتيكات، التي يفترض أن يتم الإعداد لها إعداداً كاملا، وهذا ما جعل إسرائيل، تعد لهذه الحرب مسبقاً، عندما هددت سوريا بالهجوم عليها، ورد الرئيس الراحل جمال عبدا لناصر بحشد القوات المصرية كرد على هذا التهديد، وإغلاق مضايق تيران، وفعلا استغلت إسرائيل الفرصة، وقامت بالهجوم على المطارات المصرية، ودمرت أغلب هذه الطائرات الحربية، التي تعتبر القدرة العسكرية المهمة، في تغيير مسار الحرب، وبعد انهيار القدرة العسكرية المصرية، أصبحت الجبهات السورية والمصرية، في وضع صعب، مما سهّل لإسرائيل التقدم بسهولة لاحتلال سيناء والجولان ،وبقية الأراضي الفلسطينية. ولا شك أننا في الحروب العربية /‏‏ الإسرائيلية، لم نستفد من الأخطاء التي وقعت في هذه الحروب من جانبنا، ونتهرب من المراجعة الصحيحة لما وقعنا فيه من سلبيات سياسية وعسكرية، وهذا للأسف أحد أسباب الأخطاء التي نقع فيها دائماً، وبدلاً من المراجعة، نتحدث عن أسباب أخرى لا علاقة لها بالأسباب الحقيقية، ولذلك تتكرر الأخطاء والسلبيات، التي تجعلنا نسير في طرق تتسم بالإخفاقات، فمثلا مما قيل في حرب 1967، إنها مؤامرة الأمريكية، والبعض اتهم بعض القيادات العسكرية بالخيانة، وهكذا نطرح تصورات وآراء بعيداً عن الحقيقة الدقيقة فيما وقعنا،وكلمة المؤامرة تتكرر في كل الأحداث والمشكلات التي تحدث، للهروب من استحقاقات الفحص والدرس والمراجعة العقلانية لما وقع، ونلجأ إلى تفسير (نظرية المؤامرة) ـ ولا شيء غير المؤامرة ـ وهذا في الواقع هروب من نقد الذات ومواجهة الحقائق بكشف الأخطاء ومسبباتها ، والتي هي نتيجة منطقية لأسباب كامنة و بارزة في ذاتنا بغض النظر عن استغلال الأعداء والشامتين والمغرضين ،لكن الواقع الذي يجب أن نواجهه أن معطيات ومسببات جوهرية كانت من صنعنا. أما ما ترتبت عليه وعنه من مضاعفات ومستجدات وتطورات وتدخلات بريئة أو خبيثة، فلها تفسير آخر وتقييم له مقاييسه ومعاييره،ويخضع للنقد الذي يؤسس على منطق عادل بعيداً عن الأطياف الخادعة والقراءات الانفعالية.

حرب 1967 أحد الأخطاء الكبيرة، في مسيرة الأمة السياسية، والحلول لتفادي الكوارث والمشكلات، ليس بالهروب وإلقاء التهم هنا وهناك، بل بالتقييم الصحيح لما حدث، وهو المسار الأهم في تفادي هذه السلبيات.