روضة الصائم

علم المنطق: الاستدلال - القياس الاستثنائي

19 يونيو 2017
19 يونيو 2017

علي بن سالم الرواحي -

إن الدين الإسلامي دين فكر وعلم وعمل، متفتح على جميع العلوم البشرية المفيدة، ومن ذلك علم المنطق، جاء لعمارة الأرض وفق منهج سماوي مستقيم، يضمن السعادة للصالحين في الدارين.

تكلمنا فيما سبق عن الإسلام من حيث إنه يوحد ولا يفرق، ونتكلم الآن عن القياس المنطقي.

ويعرف الاستدلال لغة طلب الدليل وهو فعل المستدِّل، والاستدلال الاصطلاحي هو إقامة الدليل لإثبات المدلول، والدليل هو قولان فصاعداً ينتج عنهما قول آخر، ودلالة الدليل هو فهم شيء من شيء يدل عليه، فالدليل المتن والدلالة ما يُفهم منه، وتنقسم إلى وضعية وعقلية وطبعية، وتنقسم كذلك إلى لفظية وغير لفظية.

وينقسم الاستدلال إلى استدلال مباشر واستدلال غير مباشر، فالأول يكون عندما تكون مقدمته قضية واحدة فقط، نحو (كل مسلم يعبد الله)، ويكون استدلالاتها كما يلي:

- بنقض المحمول ثم استنباط الحكم المترتب على ذلك، فتكون النتيجة على هيئة (ليس المسلم من لا يعبد الله).

- بالعكس المستوى بتبادل المحمول مع الموضوع من المقدمة الأساسية فتكون النتيجة على هيئة (كل من يعبد الله مسلم).- بالتناقض وهو اختلاف بين قضيتين يستدعي لذاته أن تكون إحداهما كاذبة والأخرى صادقة، فتكون النتيجة على هيئة:(بعض المسلمين لا يعبد الله)، وهي نتيجة كاذبة.

- بنقض الموضوع، فتكون النتيجة على هيئة، (بعض غير المسلمين لا يعبد الله)، ويُرى هنا نفي للموضوع الأصل، يتبعها نفي للمحمول الأصل.

- بعكس النقيض الموافق، يُرى جعل المحمول الأصل المنفي موضوعا للنتيجة، وجعل الموضوع الأصل المنفي محمولاً في النتيجة، فتكون النتيجة (كل من لا يعبد الله هو غير مسلم)

- بعكس النقيض المخالف، وهو بجعل المحمول الأصل المنفي موضوعاً للنتيجة، بينما يكون محمولها نفس موضوع الأصل، وتكون النتيجة (لا أحد من لا يعبد الله هو مسلم) وفائدة الاستدلال المباشر كما ترى هو ربط الأفكار بعضها ببعض، وليس إنشاء أفكار جديدة.

أما الاستدلال الغير مباشر وهو ما يحتاج إلى مقدمتين على الأقل حتى يعطينا النتيجة، فأول أقسامه القياس وفيه استنباط حكم الجزيئات من الحكم الكلي، وثاني أقسامه الاستقراء وهو استنتاج الحكم الكلي من حكم جزيئاته، وثالث أقسامه التمثيل وهو تشبيه صورة شيء بصورة أخرى في حكمه.

أما القياس فهو في اللغة رد الشَّيْء المجهول إِلَى نَظِيره المعلوم، وفي اصطلاح المناطقة – أو القياس المنطقي- هو قول مركب من قضايا يلزم من تسليمها لذاتها تسليم قول آخر، ولفظة (قضايا) يبدأ عددها من اثنتين فصاعداً وتسمى هذه القضايا بالمقدمات، بينما القول الآخر يسمى نتيجة القياس.

وعلينا أن نعرف بعض المعلومات عن القضايا، حتى نفهم القياس، أولاً الجملة الحملية - وتكون خبرية - تتكون من طرفين ونسبة، فالطرفان هما المحكوم عليه والمحكوم به، أما النسبة الحكمية بين الطرفين تدل عليها الرابطة، مثلاً: القضية (القرآن كلام الله)، فيها المحكوم عليه هو (القرآن)، والمحكوم به (كلام الله)، وفيها نسبة كلام الله إلى القرآن.

والجملة الشرطية تتكون كذلك من الطرفين ونسبة، ويكون كلا الطرفين قضية أي جملة خبرية تامة ويكون بينهما نسبة، هذان الطرفان المقدم ويسمى الملزوم والتالي ويسمى اللازم، وتنقسم الشرطية إلى متصلة ومنفصلة، فالمتصلة نوعان، الأولى تكون فيها نسبة اتصال بين القضيتين الأولى والثانية أو تنفي الاتصال بينهما، فمثال الأولى (كلما اتقيت الله يسلم قلبك)، فالمقدم (كلما اتقيت الله)، والتالي (يسلم قلبك)، فـ (يسلم قلبك) لازم لـ (اتقيت الله)، ومثال الثانية (ليس إذا غش الإنسان يكون حميداً)، فـ (يكون حميداً) لا يلازم الإنسان الغاش.

والجملة الشرطية المنفصلة نوعان يكون في الأول نسبة تنافر وانفصال بين المقدم والتالي، وفي الثاني نسبة عدم انفصالهما، فمثال الأول (العبد أما شاكراً أو كافراً)، هنا نسبة التنافر بين القضيتين فلا يكون العبد شاكراً كافراً بحال واحد ولا العكس، ومثال الثاني (ليس الإنسان إما أن يكون معصوماً أو مجبراً)، فقد يكون المعصوم مجبراً، والمجبر معصوماً كالملائكة، والله أعلم.

ينقسم القياس إلى نوعين: القياس الاستثنائي والقياس الاقتراني، فالأول ما تذكر في مقدماته النتيجة أو نقيضها، والثاني ما لا يذكر فيه لفظ النتيجة لكن تفهم من مضمون مقدماته حيث يذكر فيها اجزاؤها، أي تذكر بالقوة والقابلية دون الفعل، ويسمى القياس الاستثنائي بالشرطي لاحتوائه على شرط واستثناء، فالشرط يكون في مقدمته الكبرى، والاستثناء يكون في مقدمته الصغرى، ويكون لفظ النتيجة مذكوراً في المقدمة الكبرى نحو:

إذا لم يكن زيد الأقرأ، فلا يؤم

لكن زيداً هو الأقرأ

إذاَ زيد يؤم.

أما القياس الاقتراني وضابطه: شموله على النتيجة بالقوة لا بالفعل أي لا تذكر فعلاً فيه بل وُجِد أجزاؤها في المقدمتين.

وسمي بذلك لأنه لا يتخلل حدوده أو قضاياه حرف استثناء، وسمي بالحملي لاختصاصه بالحمليات، وسمي شمولياً لشمول الأكبر للأصغر فيه، وسنتكلم إن شاء الله لاحقا عن القياس الاقتراني، والله ولي التوفيق.