كلمة عمان

فـي محاربة الإرهاب

18 يونيو 2017
18 يونيو 2017

رغم الجهود الدولية المبذولة لمحاربة الإرهاب ومقاومته بكافة الطرق إلا أن العمليات الانتحارية /‏الإرهابية، لا تتوقف من فترة لأخرى وفي العديد من العواصم والمدن الكبرى في العالم، وهو الأمر الذي يفتح سؤالا حول الأسباب التي تجعل التمادي في مثل هذا الجرائم مستمرا، والتي هي بلا شك ضد المعاني الإنسانية السمحة والإخاء البشري، وتقوم بعكس ما جاءت به الشرائع والديانات من توقير الذات البشرية والمكانة التي يجب أن يقابل بها الإنسان من حيث حرمة دمه وبدنه وممتلكاته.

في العمليات الأخيرة التي جرت في العاصمة البريطانية لندن، على سبيل المثال، فإن الذين قاموا بهذه الأعمال الإرهابية، وبدراسة متعمقة للخلفيات التي جاؤوا منها يمكن التوصل إلى نتائج أولية أن البيئة المعرفية التي يترعرع فيها الفرد لها أثر عليه من حيث تشكيل رؤاه الفكرية ونظرته للعالم، وغيرها من المسائل التي تعمل على صياغته كفرد في هذا الوجود.

فالإرهاب هو نتاج تشكيل ذهن الفرد الانتحاري أو الإرهابي الذي يقوم بهذا العمل وفق تصور تام منه، بأنه يؤدي رسالة مهمة وفعلا جليلا يخدم به قضية متوهمة في ذهنه، وهذه الأفكار عندما يتم غرسها في الأذهان وفي سن مبكرة يصعب نزعها، وبالتالي تنعكس في توظيف هؤلاء الشباب في هذه الأعمال، لاسيما أن أغلبهم صغار السن، ما يعني أنهم لم يأخذوا الخبرات الكافية من الحياة خارج مؤسسات التشدد والجهات التي تلقوا عبرها معارفهم المغلقة.

لكن الإرهاب اليوم باتت له مداخل كثيرة في ظل عالم مفتوح وشبكات افتراضية تتوسع يوما بعد يوم، يكون لها أيضا تأثيرها في التلقي والتواصل مع الإرهابيين، وفي بعض الأحيان يمكن للإرهابي أو الانتحاري أن يقوم بهذا العمل دون أي صلة بجهة مركزية، إنما يكون فقط قام بجرمه، بناء على تزويده المعرفي الخاطئ الذي غذى به ذهنه، ما يعيد المشهد إلى دور الأسرة في رعاية الأبناء ومراقبتهم خاصة في فترات الانتقال الوسيط والحساس ما بين سنوات المراهقة والشباب، حيث يكون الفرد في تلك المرحلة بالتحديد مهيأ للتأثر بما يظنه فكرا صحيحا أو ثوريا أو غيرها من الأفكار التي يحاول من خلالها البحث عن كينونته وتحقيق معنى الذات.

غير أنه وفي إطار أوسع من المسائل المباشرة المتعلقة بالإرهاب في الصور المذكورة، فإن الفعل الإرهابي بحد ذاته أصبح اليوم مسألة متشعبة ومربكة تدخل فيها الصراعات السياسية والتحالفات الإجرامية وغيرها من صور النزاع البشري عندما تستبدل الأخلاق بالفوضى والرغبات السيئة في الانتصار الزائف، الذين يمكن أن يصنعه الإنسان لبضع من الوقت، بظن أنه يحقق مجدا لنفسه ليس له من أي معنى خالد.

بالتالي فإن الحرب على الإرهاب هي في جوهرها الأكثر مركزية، تتمثل أو يفترض أنها تتأسس على فعل حقيقي يقوم على الضمير والتربية السليمة في رفض كافة صور المصالح الزائفة والتشدد والعلاقة غير السليمة مع الذات والآخر، التي تنعكس في نتائج سلبية ومدمرة للكل وليس الفرد نفسه.

وما لم ينتقل العمل من طور النظرة الفوقية والعابرة، إلى التدقيق والتحميص إلى ما وراء الأسباب والمسببات، فإن جديدا لن يكون ممكنا، في قضاء كلي وسريع على الفوضى المتسببة باسم الإرهاب.