أفكار وآراء

الحياة في حقبة ما بعد أوبك

18 يونيو 2017
18 يونيو 2017

نك بتلر/ ترجمة قاسم مكي -

الفاينانشال تايمز -

عاد سعر النفط إلى الحال التي كان عليها قبل شهور مضت. فسعر خام برنت يصارع للبقاء فوق 50 دولارا للبرميل. يحدث هذا على الرغم من اتفاق أوبك حول محاصصة الإنتاج ودعم روسيا. إن هبوط الأسعار بعد إعلان تمديد الاتفاق لفترة تسعة أشهر يوم 25 مايو يُظهِر افتقارا للثقة في قدرة أوبك على إعادة بسط سيطرتها التامة على السوق النفطية.

أما السؤال المفتوح فهو ما الذي سيحدث بعد؟ أولا، دعونا نرفض واحدة من نظريات المؤامرة جيدة الإعداد. فالمحصلة ليست تحركا متعمدا من السعوديين لإقناع أعضاء أوبك بالموافقة على نظام حصص أشد صرامة خوفا من المزيد من هبوط الأسعار. إن قدرة الآخرين على خفض الإنتاج محدودة جدا. والإيرانيون خصوصا في حاجة ماسَّة لمواصلة زيادة الإنتاج من أجل إعادة بناء اقتصادهم. من السهل جعل خفض الإنتاج بكميات قليلة دون معنى. كيف؟ بزيادة الإنتاج في الولايات المتحدة أو البلدان المنتجة الأخرى من غير أعضاء أوبك. إن خفضا كبيرا من جانب السعوديين هو فقط ما يمكنه أن يكون له أثر مهم. ولا يوجد دليل على أنهم مستعدون للتضحية بالمزيد من الإيرادات لتحقيق ذلك. والحقيقة هي أنه لم يعد بمقدور أي مجموعة أو بلد منفرد السيطرة على السوق العالمية للنفط. إذ توجد كثرة من المنتجين لا تسمح لمنظمة أوبك بأداء عملها ( كمنتج مرجح يضبط توازن سوق النفط - المترجم.) إذن مرحبا بحقبة ما بعد أوبك. إن القادم سيكون انعكاسا للتوازن بين العرض والطلب في السوق العالمية. تبدو إمدادات النفط قوية ومن المؤكد أقوى من الطلب في الأجل القصير إلى المتوسط. فلا تزال هنالك حقول جديدة تدخل حيز الإنتاج حتى في مناطق مثل بحر الشمال. كما لا يوجد ارتفاع واضح في الطلب. ولا يزال انخفاض الأسعار يحفز أعضاء أوبك والمنتجين الآخرين على الإبقاء على الإنتاج عند مستوى مرتفع بهدف زيادة الإيرادات بأكبر قدر ممكن. لقد كانت الشكوك في تقيُّد إيران ونيجيريا وليبيا وعدة بلدان أخرى بحدود حصصهم الإنتاجية خلال الأشهر التسعة القادمة هو السبب وراء هبوط الأسعار مؤخرا. أما في الأجل الطويل فالتحليل أكثر تعقيدا. إذ يعتقد البعض في صناعة النفط وأجزاء من سوق المال أنه كلما طالت فترة انخفاض الأسعار كلما كان تصحيحها أكثر حدَّة. فوفقا لوجهة النظر هذه لا تشجع الأسعار المنخفضة على الاستثمار الجديد في الإنتاج النفطي. وهذا يعني ان الإنتاج الجديد سيكون محدودا. وفي الأثناء سيواصل الطلب ارتفاعه خصوصا في اقتصادات البلدان الصاعدة مثل الهند. هذا هو الاعتقاد السائد والذي تم التعبير عنه على نحو جيد في آخر تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية حول مستقبل سوق النفط. ولكن تقارير مستقبل السوق، مثلها مثل استطلاعات الرأي العام، تنطوي على هامش واسع للخطأ. وفي هذه الحال تشير العوامل الرئيسية لكل من العرض والطلب إلى وجوب التعامل مع توقعات وكالة الطاقة الدولية بالقليل من عدم التصديق. من الواضح أن الأرقام الرئيسية للاستثمار في صناعة النفط شهدت تدنِّيا في العامين الأخيرين. فمعظم الشركات النفطية الكبرى قلصت الإنفاق على الاستكشاف وتطوير المشروعات الجديدة. ولكن هذه الأرقام تخفي وراءها حقيقةَ أن الشركات تخفِّض التكاليف وتبسِّط العمليات كي تتمكن من التواؤم مع بيئة انخفاض الأسعار. لقد سبق أن فعلت الشركات ذلك بعد التدهور الحاد للأسعار عام 1986 وفي منتصف التسعينات. وأثبت كل من ترشيد التكاليف والتقنية دائمة التطور أنهما فعَّالان جدا. لقد اتضح خطأ أولئك الذين توقعوا توقف نشاط صناعة النفط الصخري الأمريكي أو حتى استخراج نفط بحر الشمال حين هَوَت الأسعار من ذروتها قبل ثلاثة أعوام (من 115 دولارا للبرميل.)، نعم انخفضت الهوامش الربحية ولكن عددا قليلا جدا من الشركات توقف عن العمل. فالنفط الصخري الأمريكي الآن، في معظم الحالات، مربح عند سعر 50 دولارا للبرميل. وكذلك هي الحال مع معظم نفط بحر الشمال. نفس هذه المقاربة يتم تبنيها في المشروعات الجديدة. من المؤكد أن بعض المشروعات النفطية قد تم تأجيلها مما يعزز وجهة النظر التي ترى أن الإنتاج في المستقبل سيكون محدودا. ولكن في حالات عديدة كان المقصود من هذا التأخير تمكين مديري المشروعات من خفض التكاليف بنسبة 10 % أو 20% بل وحتى 40%. يعكس التدني في إجمالي الأموال المستثمرة ذلك. وبدلا من اعتبار هذه الأرقام علامة انهيار يمكن قراءتها كمقياس لتحسن الإنتاجية. وإذا كانت أرقام توقعات عرض النفط مفرطة في تدنيها إلا أن أرقام الطلب عليه تبدو مفرطة في ارتفاعها. هل كانت أية زيادة في الطلب الصيني خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة مدفوعة بالرغبة في بناء مخزونات نفطية في أثناء انخفاض الأسعار؟ هل سينمو الاقتصاد الصيني خلال الأعوام الخمسة القادمة بنسبة 7% في العام ( حسبما زعم) أم عند نسبة قريبة من 2% كما يعتقد العديد من المراقبين؟ هل إصدارات دين الصين التي دفعت شركة موديز مؤخرا إلى خفض تصنيفها الائتماني ليست بذات أهمية؟ هل ستبدأ السيارات الكهربائية في اجتياح السوق على نحو جاد أم ستظل ليست أكثر من إضافة تزيينية لنمط حياة أقلية ضئيلة من الناس؟ وهل مكاسب كفاءة استخدام النفط ببلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستصل حقا إلى 0.2 مليون برميل في اليوم كما تتوقع وكالة الطاقة الدولية؟ لا أحد يعلم على وجه اليقين وهذا ما يجعل التوقعات المستقبلية بهذا القدر من الإثارة. ولكن شيئا واحدا يبدو واضحا. فشكل سوق النفط ومسار الأسعار ستقررهما الإجابات على هذه الأسئلة وأسئلة أخرى حول ما سيحدث في التفاعل الوثيق بين العرض والطلب. إن النفط لن يكون أبدا «سلعة عادية» لأن عددا كبيرا من القرارات الحاسمة المتعلقة به مرتبطة بالسياسة. ولكن مستقبله سيتقرر في السوق المفتوح وليس في اجتماع تكتل بلدان مصدرة للنفط داخل قاعة مغلقة في فِيَينَّا.