أفكار وآراء

بانتظار مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية جديدة

17 يونيو 2017
17 يونيو 2017

ماجد كيالي/ كاتب فلسطيني -

لا يبدو أن القيادة الفلسطينية ترغب، أو تقدر، على صدّ الضغط الدولي، والأمريكي خاصّة، المتعلق باستئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، من دون «شروط» مسبقة، وضمن ذلك موقفها المتعلق بوقف الاستيطان، لاقتناعها بفكرة مفادها أن «في المفاوضات حياة»، بحسب عنوان كتاب لكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، ولأنها أضحت تدرك أن الأمور باتت خارج السيطرة، فلا هي تستطيع أن تفرض على إسرائيل شيئاً، ولا الدول الكبرى معنية بذلك، ولا الأوضاع في المشرق العربي المتدهور تسمح بمثل هذا الأمر.

هكذا، وبحسب التسريبات، فمن المرجّح أن تنجح مساعي الإدارة الأمريكية بعقد لقاء ثلاثي قريب، يجمع الرئيس ترامب إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في العاصمة الأمريكية (واشنطن)، لطرح مبادرة جديدة للمفاوضات السياسية، وهو اللقاء الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي الطرفين المعنيين لدى زيارته إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي.

في حال انعقاد هذه المفاوضات فستكون الأولى من نوعها بعد تجميد المفاوضات في أواخر مارس (2014)، والثانية من نوعها في العهد الثاني لوجود بنيامين نتانياهو في رئاسة حكومة إسرائيل؛ حيث كان العهد الأول في الفترة من (1996ـ1999)، والعهد الثاني منذ عام 2009، في ولايتين.

المعنى من ذلك أن فترة حكم نتانياهو، وليكود عموما، هي فترة جمود في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، إذ في تلك الفترة قوضت إسرائيل اتفاق أوسلو نهائياً، بمعاودة احتلالها المدن الفلسطينية، في مناطق السلطة (2002ـ 2003)، وأطاحت بـ«المبادرة العربية للسلام» (مؤتمر قمة بيروت 2002)، وتهرّبت من خطة «خريطة الطريق» الأمريكية (2003) التي قدمتها إدارة بوش (الابن) في عهد أرييل شارون، ثم أعاقت مسار أنا بوليس (2007)، وأخيراً أدت بمواقفها المتعنتة إلى انهيار المفاوضات (أواخر مارس 2014) التي بدأت برعاية أمريكية ودولية وإقليمية (أواخر يوليو 2013).

الاستنتاج من كل ذلك أن لا شيء يدفع للمراهنة على مفاوضات جديدة مع حكومة بنيامين نتانياهو، خصوصا في الظروف الراهنة، فالمجتمع الإسرائيلي يميل نحو اليمين القومي والديني، والإسرائيليون يعيشون في واقع من الاحتلال المريح والمربح، بعد الفصل عن الفلسطينيين، الذين باتوا يقبعون في مناطق السلطة خلف جدران الفصل العنصري، محاطين بالمستوطنات، ومن دون أي قدرة على المقاومة، أو المبادرة الساسية، لاجتراح وسائل ضغط على إسرائيل تتناسب مع إمكانياتهم، وفي حال من التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية، والارتهان لمعونات الخارج، في ظل ترهل وتآكل الكيانات الجمعية الفلسطينية.

أما على الصعيد الخارجي، وفي ظل الانهيار الدولي والمجتمعي في بلدان المشرق العربي، ومع هذه الحرب الدولية ضد الإرهاب، فإن إسرائيل باتت تتصرف باعتبارها أضحت في حلّ من أي «تنازل» للفلسطينيين في الأراضي، أو في شؤون السيادة، وليس لديها ما تقدمه سوى استمرار الواقع الراهن، أو نوع من دولة هي بمثابة حكم ذاتي على السكان، مع رموز دولية (كيان فلسطيني هو أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة).

لعل كل ذلك يفسّر أن القيادة الفلسطينية باتت تجد نفسها في واقع حرج، فهي في معادلة يصعب عليها الخروج منها، كما يصعب عليها التسليم بها، أي أنها في الحالين ستخرج خاسرة، سيما أنها لم تهيئ نفسها ولا شعبها، لهكذا تحدّ، بخاصة مع ترهل وتكلس الكيانات السياسية الفلسطينية، والافتقاد لأي مبادرة، والارتهان للمساعدات الخارجية، وكبح أية حالة مقاومة شعبية، وفقدان الإسناد الخارجي، العربي والدولي.

ولعل هذا الواقع، المسؤولة عنه القيادة الفلسطينية، إلى حد ما، يفسّر تراجعها عن مطلب تجميد الاستيطان، بخاصة أنها هي ذاتها المسؤولة عن هذه الثغرة في اتفاق أوسلو (1993) المجحف والناقص، توخّيا منها في ذلك تجنّب أي اصطدام مع إدارة أمريكية يصعب التنبؤ بتصرفاتها، سيما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لديه عديد من الأوراق للضغط عليها، ضمنها تهديده الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ودعم أنشطتها الاستيطانية، ووقف المساعدات للسلطة، وخصوصاً الدفع بخطة «السلام الإقليمي» بين إسرائيل والدول العربية ولو من دون الفلسطينيين.

مع ذلك وعدا عن فقدان الحيلة، والسعي لإرضاء الإدارة الأمريكية في القبول باستئناف المفاوضات، فإن القيادة الفلسطينية تحاول من خلال ذلك أيضاً تحسين شروطها الاقتصادية، من خلال مراجعة الملحق الاقتصادي في اتفاق أوسلو، وإعطائها صلاحيات سيطرة أوسع في المناطق (ج) التي تشكل 60% من أراضي الضفة، والتصرف على أساس أن ليس في الإمكان أفضل مما كان!

قصارى القول الفلسطينيون مجدداً أمام طبخة بحص، والعنوان من زمان، أي منذ توقيع أوسلو (1993)، كيان فلسطيني، اكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة، والقرار بيد إسرائيل، طالما ظلت المعادلات السياسية العربية والإقليمية والدولية على حالها.