أفكار وآراء

ميركل وترامب ونهاية الغرب

17 يونيو 2017
17 يونيو 2017

جيديون راكمان/ ترجمة قاسم مكي -

الفاينانشال تايمز -

إن أصداء التاريخ التي تتردد هنا تثير الرعب. لا يعني هذا أن ميركل تتموضع على ذات المستوى الأخلاقي والسياسي مع ترامب. فالرئيس الأمريكي أظهر مرارا وتكرارا احتقارا للقيم الغربية الأساسية من حرية الصحافة إلى حظر التعذيب إلى دعم الأنظمة الديمقراطية حول العالم.

كانت أول زيارة لدونالد ترامب إلى أوروبا مربكة ونتائجها إشكالية. فميركل كادت أن تعلن موت التحالف الغربي أثناء مخاطبة لها في حشد انتخابي بميونيخ بعد فترة قصيرة من عودة الرئيس الأمريكي إلى واشنطن. فقد حذرت المستشارة الألمانية من أن «الأوقات التي يمكننا أن نعتمد فيها تماما على الآخرين انتهت نوعا ما.» وأضافت: « لقد أدركت ذلك بالتجربة في الأيام القليلة الماضية. نحن الأوروبيين علينا حقا أخذ مصيرنا في أيدينا. بالطبع نحن بحاجة إلى علاقات صداقة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومع الجيران الآخرين بما في ذك روسيا. ولكن علينا أن نحمي مستقبلنا بأنفسنا.»

احتلت تعليقات ميركل بسرعة عناوين الأخبار.

كما أن ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية والذي يعتبر بهذه الصفة عميدَ مؤسسةِ السياسة الخارجية الأمريكية، كتب مغردا على تويتر « قول ميركل أن أوروبا لا يمكنها الاعتماد على الآخرين وأنها يلزمها أخذ الأمور بيدها يشكل صدعا (في التحالف الغربي) وهو ما سعت الولايات المتحدة إلى تجنبه منذ الحرب العالمية الثانية.» من السهل والملائم لوم الرئيس ترامب على هذا الوضع. ولكن ميركل، رغم لغتها الحذرة، تصرفت أيضا بطريقة غير مسؤولة بإطلاق تصريح يهدد بتوسيع خرقٍ خطير في التحالف الأطلنطي وتحويله إلى شق دائم. إن المرافعة ضد ترامب أسهل شيء. لقد كان أداؤه في أوروبا كارثيا. ففي حديثه للناتو، أخفق الرئيس الأمريكي في تجديد تأييده للفقرة الخامسة التي تشكل البند الخاص للدفاع المشترك في الوثيقة التأسيسية للحلف.

ولم يحدث هذا سهوا . فقد أرسل رسالة واضحة بأن التزام أمريكا بالدفاع عن أوروبا لم يعد تحصيل حاصل. وذلك بدوره يخاطر بتشجيع روسيا على اختبار دفاعات الناتو. وفي قمة مجموعة السبع، انفرد ترامب بعدم مباركة اتفاق باريس للمناخ.

كما نُقِلَ عنه على نطاق واسع وصفه لألمانيا «بالسيئة والسيئة جدا» لارتكابها جريرة بيع عدد أكبر مما يلزم من السيارات في الولايات المتحدة. ربما أن ميركل وهي تواجه كل هذا، بالإضافة لموضوع خروج بريطانيا من الاتحاد ، تشعر بأنها لا تفعل شيئا سوي الإفصاح عما هو واضح حين تشير إلى أن ألمانيا لا يمكنها مواصلة الاعتماد على حلفائها الأمريكيين والبريطانيين. ولكن رغما عن هذا، كان حديثها غلطة فادحة لخمسة أسباب على الأقل.

أولا، من الخطأ الانتظار أربعة أشهر من رئاسة ترامب للتشكيك في الحلف الأطلسي الذي حافظ على السلم في أوروبا لمدة 70 عاما. قد يأتي وقت ذلك (التشكيك.) ولكن من المحتمل أيضا أن رئاسة ترامب ليست من طبيعة الأشياء وأنه عما قريب سيكون خارج المنصب.

ثانيا، في الواقع لدى الرئيس الأمريكي شيء صحيح يمكن أن يقوله بصدد فشل معظم البلدان الأوروبية في الوفاء بمطلوبات الناتو حول الإنفاق العسكري. لقد كان تصرف ترامب في أوروبا غير حساس. ولكنه محق في دعواه بأن الولايات المتحدة لا يمكنها تحمل ما يقرب من 75% من النفقات الدفاعية للناتو.

وهذا أيضا ما كان قد قاله روبرت جيتس وزير دفاع حكومة أوباما. وبالنظر إلى أن ألمانيا راكبا مجانيا أو مستفيدة دون مقابل من الإنفاق العسكري الأمريكي فإن لوم الولايات المتحدة ، كحليف لا يعتمد عليه، فيه قليل من التطاول.

ثالثا، بإيحائها أن التحالف الغربي يتداعى الآن، تكون ميركل قد زادت من فداحة الخطأ الذي وقع فيه ترامب حين أخفق في تأييد الفقرة 5. فكلا الواقعتين من شأنهما أن تشجعا الحكومة الروسية على مواصلة مسعاها لتفكيك التحالف الغربي. وذلك بدوره يجعل الوضع الأمني لأوروبا أكثر خطورة. رابعا، لم تكن ميركل حكيمة أو منصفة في وضعها بريطانيا في مركب واحد مع أمريكا ترامب.

ففي محادثات التغير المناخي وقفت بريطانيا إلى جانب الاتحاد الأوروبي وليس الولايات المتحدة. وعلى نحو مماثل أجهدت حكومة تيريزا ماي نفسها للتأكيد على التزام بريطانيا تجاه الناتو. ولكن إذا باشرت ميركل مفاوضاتِ خروج بريطانيا بروح الصدام الحالية ( المطالبة بالتزام بريطانيا بسداد فاتورة باهظة مقابل خروجها حتى قبل مناقشة أي اتفاق تجاري) فإنها تخاطر بالتسبب في تحقق ما تتوقعه وإيجاد عداء دائم بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

من الصعب تصور أن المملكة المتحدة يمكن أن تعتبر نفس البلدان خصوما لها في مفاوضات الخروج وحلفاء في سياق حلف الناتو.؟ لذلك فإن خروجا صعبا (غير سلس) لبريطانيا من الاتحاد سيطرح حقا أسئلة حول التزام بريطانيا تجاه الناتو، خصوصا إذا كانت الولايات المتحدة تنسحب أيضا عن التحالف الغربي.

الخلل الخامس والأخير في مقاربة ميركل هو أنها كشفت عن صمم أو عدم قدرة غير معهودة على سماع أصداء التاريخ. أحد الأشياء المثيرة حقا حول ألمانيا الحديثة هي أنها، أكثر من أي بلد آخر يمكن أن يدور بخاطري، فكرت عميقا في دروس التاريخ وتعلمتها بإتقان وفي تواضع. لذلك من المحير أن يقف زعيم ألماني في خيمة بيرة في بافاريا ويعلن انفصالا عن بريطانيا والولايات المتحدة ثم يموضع هذين البلدين على صعيد واحد مع روسيا.

إن أصداء التاريخ التي تتردد هنا تثير الرعب. لا يعني هذا أن ميركل تتموضع على ذات المستوى الأخلاقي والسياسي مع ترامب. فالرئيس الأمريكي أظهر مرارا وتكرارا احتقارا للقيم الغربية الأساسية من حرية الصحافة إلى حظر التعذيب إلى دعم الأنظمة الديمقراطية حول العالم. وكنتيجة لذلك ذهب البعض حتى إلى الإعلان بأن المستشارة الألمانية هي الآن زعيمة العالم الغربي.

لقد كان منح ذلك اللقب سابقا لأوانه. فالحقيقة المحزنة هي أن ميركل تبدو قليلة الاهتمام باستفراغ الجهد لإنقاذ التحالف الغربي.