أفكار وآراء

«أذون الخزانة» أدوات مالية موثوقة

17 يونيو 2017
17 يونيو 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

تمكن الاقتصاد العماني من تقليل آثار تراجع الإيرادات المالية على أداء مختلف الأنشطة المكونة للناتج المحلي الإجمالي خلال ثلاث موازنات مالية (2015 و2016 و2017) إذ لم تتأثر المصروفات الجارية والرأسمالية للوزارات المدنية والوحدات الحكومية والهيئات العامة. وذلك من خلال تنفيذ سياسات وخطط مالية وإجراءات احترازية ضمنت التوازن بين الترشيد وتواصل النمو وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية.

فالتنسيق المتواصل بين وزارة المالية والبنك المركزي العماني مكّن إدارة الاقتصاد الوطني من رصد المتغيرات المالية الدولية أو الإقليمية، بما في ذلك تراجع أسعار النفط. فتم وضع البدائل في توفير الإيرادات العامة لتمويل أنشطة القطاعات الاقتصادية وتطورها واتجاهاتها. بالتزامن مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لترشيد الإنفاق العامة. وإجراءات مدروسة لزيادة الإيرادات العامة من الرسوم والضرائب. وعقد القروض العامة وتسديدها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة لذلك.

وأدى البنك المركزي العماني دوره في تمكين الاقتصاد الوطني من مواصلة النمو من خلال إسناد النظام النقدي بممارسة أنشطة الاستثمار من خلال شراء وبيع الأدوات المالية وتحديد سعر الخصم وسعر إعادة الخصم للأوراق التجارية وغيرها.

ومن بين أساليب التيسير الائتماني لتوفير الإيرادات المالية اللازمة للحكومة شرع البنك المركزي بإصدار “أذون الخزانة “ تواليا. فقبل تراجع الإيرادات العامة كان البنك يصدر أذون الخزانة في فترات زمنية متباعدة. وخلال عامي 2016 و2017 صار إصدار أذون الخزانة مرتين أو ثلاث خلال الشهر. ويشير بيان الإصدار إلى أن أذون الخزانة يعتبر من الأدوات المالية المضمونة لفترة قصيرة الأجل يصدرها البنك بالنيابة عن حكومة السلطنة لتوفير منافذ استثمارية للبنوك التجارية المرخصة. وتتمتع أذون الخزانة بخاصية تسييل سريع عن طريق خصمها مع البنك المركزي العماني وكذلك عن طريق إجراء صفقات إعادة الشراء (الريبو) مع البنك المركزي أيضا، كما يمكن للبنوك التجارية المرخصة أن تجري عمليات الريبو فيما بينها على أذون الخزانة في سوق ما بين البنوك، إضافة إلى أن هذه الأداة تساهم في إيجاد مؤشر استرشادي لأسعار الفائدة قصيرة الأجل للسوق المالي المحلي، ويمكن للحكومة أن تلجأ إليها في تمويل بعض من المصروفات بشكل سلس ومرن.

تعتبر أذون الخزانة إحدى أدوات الدين الحكومية، وتصدر لآجال تراوح بين الشهر إلى ثلاثة أشهر وفي بعضها 12 شهراً، لذلك تعد أداة مالية قصيرة الأجل، ويتم التعامل بها في أسواق المال الثانوية والتداول عليها بيعا وشراء. وتتميز “أذون الخزانة” بأنها أدوات مالية منخفضة المخاطر، إذ تتمتع بسهولة التصرف دون أن يتعرض حاملها لأية خسائر رأسمالية، وعند حلول تاريخ استحقاقها تلتزم الحكومة بدفع القيمة الاسمية المدونة على وثائق “أذون الخزانة”.

وتتماثل أذون الخزانة مع “السندات الحكومية “مع الاختلاف في مدة الاستحقاق، كون السندات الحكومية تتراوح مدتها بين سنتين و20 سنة. كما أن السندات الحكومية أقل مخاطرة من سندات الشركات. جدير بالذكر أن البنك المركزي يتحكم من خلال “أذون الخزانة” بالسياسات النقدية بالسوق على النحو الآتي:

ــ يصدرها البنك المركزي للسيطرة على التضخم فيقوم برفع سعر الفائدة على أسعار أذون الخزانة ليحد من القوة الشرائية للأفراد وليمتص أكبر سيولة متاحة في السوق عن طريق طرح عطاءات أذون الخزانة.

ــ تتميز “أذون الخزانة” بأنها أدوات مالية منخفضة المخاطر، بمعنى سهولة التصرف فيها دون أن يتعرض حاملها لأية خسائر رأسمالية، وعند حلول تاريخ الاستحقاق تلتزم الحكومة بدفع القيمة الاسمية المدونة على وثيقة “أذون الخزانة”.

ــ تعد أذون الخزانة إحدى الأدوات المهمة في توفير السيولة النقدية في الآجال القصيرة وتتمتع أذون الخزانة بمرونة كاملة وحرية واسعة وقدرة عالية من التوافق مع متغيرات التعامل قصيرة الأجل ثم تعد أداة توازنية لأحداث الاستقرار النقدي والتأثير في حجم المعروض النقدي والقوة الشرائية المطروحة في التداول.

ـــ سعر الخصم الذي تخصم به أذون الخزانة لدى البنك المركزي يتم قطعها قبل تاريخ الاستحقاق للأفراد أو البنوك أو الشركات الحائزة لها والتي تحتاج إلى سيولة نقدية إذا أراد البنك المركزي إحداث انكماش في النشاط الاقتصادي يقوم برفع سعر الخصم حتى لا يقبل المستثمرون على سحب قيمة الأذون قبل تاريخ الاستحقاق.

ــ السماح بحرية التداول والتظهير والاقتراض بضمان أذون الخزانة دون قيد أو شرط.

ــ تحديد حجم وكمية الأذون المطروحة للاكتتاب من حيث عدم السماح بإغراق السوق وترك المجال أمام بدائل الاستثمار الأخرى.

ــ الإجراءات الإدارية الخاصة بعملية الاكتتاب والخصم من حيث بساطتها وسهولة ومدى إمكانية السماح لمؤسسات أخرى للقيام بأعمال الوكالة عن الزبائن في الاكتتاب أو الخصم أو تحويل الأذون في مواعيد استحقاقها أو السماح لبعض البنوك في جميع المحافظات بالقيام بقبول الاكتتاب.

جدير أن لجوء الحكومات إلى القروض العامة التي أصبحت أداة مالية اعتيادية سنوية لمواجهة النفقات العامة. وقد توسع دور القروض العامة في المالية العامة للدولة واستخدمت أداة مالية للتأثير في مكونات الاقتصاد الكلي شأنها شأن الضرائب والنفقات العامة وخاصة في الدول النامية التي تعاني من فجوة تمويلية لبناء تنميتها وتطورها الاقتصادي، وهذا ما جعل بعضها تدخل في أزمة مديونية كبيرة نتيجة استخدام هذه الأدوات من دون ضوابط.

قوة الاقتصاد العماني: وبهدف تأكيد ثقة المتعاملين بكافة الإصدارات التي يصرحها البنك المركزي العماني تبنت الحكومة البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي (تنفيذ)، حيث يعتبر واحدا من البرامج الوطنية التي انبثقت من الخطة التنموية الخمسية التاسعة (2016 ـــ 2020م.) الذي يهدف بصورة إلى المساهمة في تحقيق التنويع الاقتصادي بإعداد خطط وطنية تفصيلية قابلة للقياس فيما يتعلق ببرنامج التنويع الاقتصادي.

ووفق البيانات الرسمية فإن تطبيق برنامج التنويع الاقتصادي يتم وفق خطة عملية منهجية، ويقوم على جمع وتحليل البيانات والمعلومات، ومتابعة وتقييم مؤشرات الأداء الرئيسية، وتحديد جهات التنفيذ وإدارة المشاريع، من خلال فرق عمل من الكوادر العُمانية والخبراء المتخصصين من داخل وخارج الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط، بحيث يشمل قطاعات محددة في المرحلة الأولى تشمل (السياحة، والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية) إضافة إلى الممكنات الداعمة وهي قطاع سوق العمل، وقطاع التمويل، فيما ستغطي المرحلة الثانية من البرنامج قطاعي (الثروة السمكية - التعدين). وتسعى الحكومة إلى الاستفادة من هذا البرنامج من خلال توظيف أفضل التجارب والممارسات الدولية الناجحة في مجال تنفيذ الخطط من قبل بعض الدول التي سبقت في تنفيذ مثل هذه البرامج، حيث تم التعاقد مع وحدة الأداء والتنفيذ التابعة لحكومة ماليزيا، كبيت خبرة دولي لتنفيذ هذا البرنامج، وتقديم الدعم الفني للأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط.

مشاريع التنويع الاقتصادي في حالة تنفيذها بصورة ناجحة ستوفر إرادات مالية تضاهي الإيرادات المالية التي مصدرها النفط. كما يؤكد الاستدامة في تحقيق النمو الاقتصادي، وتحديث الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر دخله، وبالتالي فإن ذلك سيؤدي إلى توظيف المزيد من العمانيين في مختلف القطاعات الاقتصادية، ويرفع مستوى المعيشة في مختلف المحافظات العمانية، وستقف إيرادات القطاعات الأخرى بجوار الإيرادات النفطية إن لم تحل محلها في المستقبل. كما ستؤدي هذه الخطوات إلى تمكين السلطنة من زيادة نسبة الاستثمارات الموجهة إلى المشروعات المغلة للدخل، وتوزيع الاستثمارات جغرافيا بحيث تعود المنفعة على مختلف المناطق المترامية. كما أن نجاح هذا البرنامج سوف يضمن مضاعفة دخل الفرد، والتوازن بين الإيرادات والاستخدامات، ويهيئ الظروف الملائمة للانطلاق الاقتصادي بصورة جديدة بعيدا عن الاعتماد على مصدر واحد غير متجدد للدخل القومي من خلال نقل السلطنة إلى عصر الصناعات الثقيلة.