أفكار وآراء

الصدقة من منظور اقتصادي

17 يونيو 2017
17 يونيو 2017

سالم بن سيف العبدلي -

[email protected] -

الصدقة لا تختلف كثيرا عن الزكاة فالزكاة الشرعية في لغة القرآن والسنة تسمى صدقة لقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تزكيهم وتطهرهم بها) الآية 103 من سورة التوبة فالفرق الوحيد بينهما هو أن الأولى إلزامية ومحددة بنسبة معينة وتؤدى بعد مضي وقت محدد، أما الثانية فهي مفتوحة وتأخذ أشكالا متعددة إلا انهما في النهاية يؤديان نفس الغرض وهو تحقيق التكافل الاجتماعي والاقتصادي والتخفيف عن كاهل الفقراء والمحتاجين وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين كافة أفراد المجتمع.

تتخذ الصدقة أشكالا متعددة وما يهمنا هنا هو الجانبين الاقتصادي والاجتماعي فهي تعبر عن المساواة بين الناس فقد تكون الصدقة من خلال التبرع بمبلغ من المال لإعانة فقير أو أسرة محتاجة أو كفالة أو كسوة يتيم والتخفيف عن كاهل المساكين أو فك كربة شخص معسر، ويدخل ضمن الصدقة المساهمة في إنشاء مرافق عامة كدور العبادة والمدارس والمساكن للفقراء وجميع هذه الأعمال الخيرية تدخل ضمن الصدقة الجارية والتي يظل أجرها مستمرا وساريا حتى بعد وفاة الشخص. كل هذه الأعمال الجليلة تؤدي إلى التوازن في توزيع الأموال بحيث يستفيد منها الجميع وتساعد في التنمية الاقتصادية من خلال تبني أصحاب الأموال إقامة مشاريع ذات بعدين اجتماعي واقتصادي تخدم المجتمع بشكل عام حيث إن تلك المشاريع كانت ستقوم الدولة بتنفيذها لو لم يتبنّها أهل الخير من هنا فسوف ستتوفر مبالغ يمكن تخصيصها لأعمال أخرى.

وهذه دعوة نقدمها لأولئك الذين فتح الله عليهم وأعطاهم الخير الكثير وأنعم عليهم بالمال الوفير أن يقدموا الشيء اليسير من ذلك المال الذي هو مال الله الذي استخلفهم فيه لمساعدة

إخوانهم المحتاجين وأن يبادروا إلى الصدقة وفعل الخير خاصة في هذا الشهر الفضيل الذي تضاعف فيه الحسنات وأن يقتدوا بالمسلمين الأوائل والسلف الصالح الذين كانوا يتسابقون إلى فعل الخير والتبرع بأموالهم فالبعض منهم تبرع بأكثر من نصف ماله والبعض زاد على ذلك. حاليا انعكست الآية فنرى الذين لا ينتمون إلى هذا الدين بل البعض ليس له أساسا دين يقومون بالتبرع ودفع أموال طائلة من أجل إنشاء جمعيات خيرية ومساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين في مختلف أصقاع المعمورة فقط العاطفة وحب فعل الخير يدفعهم إلى العطاء ومساعدة الناس.

أما نحن المسلمين رغم أن هناك نصوصا صريحة في ديننا تدعونا إلى الصدقة إلا أننا نتهاون ونتقاعس في تأدية الواجب وأحيانا نتحجج بحجج واهية فالبعض يدّعي انه ينفق ماله في السر لكي لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه والآخر يقول انه يقتدي بآخرين الذين يجمعون المال الكثير ويستثمرونه في المشاريع ولا يقدمون منها أي شيء لخدمة المجتمع والأدهى والأمر أن البعض لا يزكي ماله ولا يتصدق فمتى يكون كل غني منا قدوة للآخر ومتى يتخلص البعض من حب جمع المال وتخزينه والمرابحة فيه؟ .

في المقابل يتسابق العديد من أغنياء العالم لتقديم المنح والمساعدات والهبات للمحتاجين والفقراء ومنهم من تبرع بنصف ماله والبعض منهم خصص نسبة ثابتة من دخله الشهري للمؤسسات الخيرية التي ترعى الفئات المحتاجة إضافة إلى انتشار المؤسسات الخيرية في كل مكان ، من المشاهير الذين قدموا أموالهم لخدمة الإنسانية نذكر رجل الأعمال الأمريكي وارن أدوارد بافيت (Warren Buffett) حيث استطاع هذا المستثمر أن يجمع ثروة كبيرة عن طريق استثمارات متعددة تعمل تحت إدارة شركة قابضة تحمل اسم: بيركشاير هاثاواي: Berkshire Hathaway “ وهو أكبر مساهميها ومديرها التنفيذي.

من المتبرعين المشهورين أيضا “بيل جيتس: William Henry Gates III “ مؤسس شركة مايكروسوفت الشهيرة والمنافس لـ “بافيت” في قمة الثراء المالي حيث سبقه إلى ميدان التبرع الخيري عندما ساهم بـ 20 مليار دولار من ثروته لإنشاء “مؤسسة بيل وميليندا جيتس للأعمال الخيرية: Bill & Melinda Gates Foundation “ وهي مؤسسة خيرية حول العالم، والأهداف الرئيسية لها على الصعيد العالمي هي تعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر المدقع، أما في أمريكا فإن أهدافها تتركز في توسيع فرص التعليم والوصول إلى تكنولوجيا المعلومات.

تسابق هذين الرجلين وغيرهما من اغنياء العالم الى فعل الخير يدعو الى التساؤل ما الذي دفعهم الى ذلك وبعد سنوات عديدة من الكد والتعب وجلب الأموال الطائلة؟ الجواب يأتينا على لسان “بافيت” نفسه حيث يقول: “نحن نؤمن بأن الثروات التي تتدفق من المجتمع يجب أن تعود في جزء كبير منها إلى المجتمع نفسه ليستفيد منها” ويقول أيضاً: “أعتقد شخصياً بأن المجتمع مسؤول وبنسبة كبيرة عما حققته من إيرادات” إنَّ هذا الجواب الصريح يعبر عن روح شفافة لدى “بافيت” و “جيتس” والتي بُنيت على قناعة ورؤية للمال وموقعه في هذه الحياة.

فمتى ينتبه أثرياء المسلمين ويقدموا جزءا من أموالهم لخدمة مجتمعهم نحن لا ننكر أن هناك بعض الأغنياء والذين يقومون بدور كبير وواضح في تقديم العون والمساعدة والتبرع بجزء من أموالهم إلا ان هولاء لا يشكلون الا نسبة بسيطة من عدد اغنياء المسلمين .