أفكار وآراء

«تنفيذ» وسياسة التنويع الاقتصادي في السياحة

17 يونيو 2017
17 يونيو 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تظل سياسة التنويع الاقتصادي واستغلال وتعزيز الموارد غير النفطية من أهم الأهداف الاقتصادية المعتمدة للتخطيط في السلطنة، وهي سياسة نادت بها الحكومة منذ أكثر من أربعة عقود، إلا أن ما تحقق من تلك السياسة يحتاج إلى تسليط مزيد من الاهتمام والرعاية لتتمكن البلاد من الاعتماد على الثروات والمقومات التي تتميز بها في مختلف القطاعات الاقتصادية، خاصة في أعقاب حلقات العمل التي نظمتها الجهات المعنية من خلال برنامج “تنفيذ” خلال الأشهر الماضية، وبمشاركة العديد من المسؤولين والشخصيات الحكومية والقطاع الخاص لتحسين الأعمال التجارية في البلاد.

فالتنويع الاقتصادي يعتبر اليوم توجها استراتيجيا للدفع بالنمو في ظلّ الظروف المحيطة بأسواق النفط العالمية، والتي تفرض ضرورة التحوّل من اقتصاد يعتمد على سلعة واحدة وهي “النفط” إلى تنمية قطاعات أخرى لتحفيز عجلة التنمية الشامل، الأمر الذي يتطلب ضرورة إحداث تغييرات إيجابية في الاقتصاد الوطني من خلال تنمية الأنشطة غير النفطية، والتركيز على قطاعات واعدة تتمتّع بها السلطنة بميزة نسبية واضحة كقطاع السياحة وغيرها من القطاعات الواعدة، والعمل على التخلص من المعوقات التي تحدّ من استغلال تلك الطاقات.

وهذه السياسة تتطلب ضرورة الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة والموقع الاستراتيجي المتميز للسلطنة، مع العمل على إعادة تدوير الفوائض المالية من القطاع النفطي لتمويل مشاريع البنية الأساسية من موانئ ومطارات وطرق رئيسية تعزز المكانة اللوجستية للسلطنة، حيث من المتوقع أن تنخفض مساهمة النفط من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من 44% خلال الفترة من 2011-2015 م لتصل إلى 30% بحلول عام 2020 م. وعلى الرغم من أن انخفاض أسعار النفط العالمية قد لعب دورا في ارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية، إلا أن السلطنة قد قطعت شوطاً كبيراً في التنويع الاقتصادي، حيث تراجع نصيب الأنشطة النفطية من 60% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011 م إلى 39% في عام 2015 م.

وبرنامج “تنفيذ” يهدف إلى تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي في القطاعات المضمّنة في الخطة الخمسية التاسعة (2016-2020)، وذلك من خلال وضع الآليات التنفيذية اللازمة لإنجاز المشاريع والمبادرات المتعلقة بكل قطاع وبمشاركة القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع المدني، وتحديد الجهات المعنية بالتنفيذ، ووسائل التمويل، والفترة اللازمة للإنجاز، بالإضافة إلى وضع مؤشرات قياس الأداء.

ففي قطاع السياحة هناك الكثير الذي يمكن العمل به واستغلاله في إطار المقومات التي لم تستغل في هذا الشأن كالحصون والمساجد والأسواق التراثية والمقابر التاريخية، التي يمكن استغلالها كعناصر جذب للعديد من السياح حول العالم. كما تتميز السلطنة بطبيعتها الفريدة الزاخرة بالعديد من المحميات والكهوف الطبيعية والكثبان الرملية وسلاسل الجبال والجزر والعيون المائية، التي ينبغي استغلالها لتسويق وتعزيز صورة السلطنة سياحيا، بالإضافة إلى أن موقع السلطنة الاستراتيجي المتوسط بين قارات العالم الكبرى الثلاثة ( آسيا وأفريقيا وأوروبا) والعمل تعزيز قدرتها على استضافة وتنظيم المزيد من الفعاليات الدولية والإقليمية الكبرى لجذب المزيد من المستثمرين والسياح للبلاد. فكل تلك المقومات تعدّ فرصا واعدة لرفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمال من هذا القطاع.

إن برنامج “تنفيذ” كشف العديد من التحديات التي يواجهها قطاع السياحة تتمثل في تعقيد وطول فترة إجراءات تقديم الطلبات للحصول على الموافقات اللازمة، وغياب الخدمات والمنتجات والأنشطة السياحية المبتكرة، بالإضافة إلى عدم فاعلية الإنفاق على العملية التسويقية، الأمر الذي لا يعكس الصورة الثرية للثقافة والتراث العماني، وبالتالي يحول دون نمو القطاع بالشكل المطلوب. علاوة على ذلك كشف البرنامج أن قطاع السياحة يعاني من تداخل للإجراءات التي تتبعها الجهات الحكومية المختلفة فيما يتعلق بإصدار التراخيص والموافقات الأساسية، كبقية القطاعات الأخرى في الصناعة والأعمال اللوجستية والخدمات والعمل المصرفي والمالي وغيرها. وهناك ثمة صعوبات في تحقيق معدلات النمو المستهدفة من هذا القطاع.

وبنظرة سريعة للقطاع السياحي ومساهمته في الاقتصاد العماني من واقع بيانات برنامج “تنفيذ” نجد أن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة منخفضة، حيث بلغت في المتوسط 2.2% خلال الفترة من 2010 - 2015. وتحتل السلطنة المركز الخامس بين دول مجلس التعاون في عدد السياح الواصلين والمقيمين لليلة واحدة على الأقل، أي ما يعادل 4% فقط من 49 مليون زائر لدول المجلس خلال عام 2014 م. وتشير التصنيفات العالمية إلى أن السلطنة لم تحقق الإيرادات المرجوة مقارنة بإمكانيات القطاع وامتلاكها للعديد من المقوّمات الثقافية والتراثية المتجلية في الفنون والموروث الشعبي والقلاع وغيرها. وهناك الكثير من الفرص والإمكانيات في هذا القطاع، كما هناك فرص لتحسين واقع العمانيين العاملين في هذا القطاع نتيجة للفرص التي يمكن توفيرها في حالة نمو واتساع هذا القطاع وإمكاناته في مجال السفر والترفيه والمتنزهات والرحلات وغيرها من الإمكانات الأخرى، بجانب استغلال المرافق المتواجدة اليوم بصورة إيجابية سواء في مجال السكن والإيواء والأكل والشرب والنقل وغيرها. ولتحقيق ذلك يتطلب الأمر تنمية الاستثمارات بشكلٍ مضاعف لتحقيق طموحات السلطنة في هذا القطاع، مما يحتم تسهيل الاستثمار من القطاع الخاص. فهناك اليوم محدودية برامج تشجيع الاستثمار للقطاع الخاص والمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة، كما هناك محدودية التمويل والقّدرة على إنجاز المشاريع في بعض الأماكن التي تتمتع بالمقومات السياحية سواء في الثقافة والتراث أو المواقع الطبيعية الاستثنائية التي تميز السلطنة مقارنة بنظيراتها من دول مجلس التعاون الخليجي، مثال المنتجعات الطبيعية وينابيع المياه، والكهوف الطبيعية، والجبال، والصحاري، والعديد من الجزر. وهذا الأمر يتحتم ضرورة النظر في الوضع الجغرافي السياسي للسلطنة، وضرورة ارتفاع مستويات السلامة والأمن مقارنة بالدّول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث سيساهم ذلك في الارتقاء ببيئة الأعمال في السلطنة بشكل مباشر وفي تطوير قطاعات التنويع الاقتصادي، ومن بينها قطاع السياحة، مما سيعمل على زيادة الأعمال التجارية في هذا القطاع، علاوة على جلب استثمارات داخلية وخارجية إضافية.

فبيئة الأعمال في قطاع السياحة تتأثر بالعديد من السياسات والإجراءات التي يجب مواءمتها بين الجهات المعنية لتوفير خدمات أكثر كفاءة وسلاسة للمستفيدين. وترتبط هذه البيئة أيضا بالعديد من القوانين والتشريعات التي تعمل على تنظيم القطاع، فضلا عن إجراءات وسياسات الإيجار والاقتراض المتعلقة بالأراضي المستخدمة في الأنشطة السياحية، والسياسات المتعلقة بسوق العمل والتشغيل وإمكانية الحصول على التمويل. ويمكن عندئذ تحقيق مؤشرات جيدة سواء من حيث زيادة عدد السياح الزائرين سنويا بحلول 2020 إلى حوالي 5 ملايين زائر، بالإضافة إلى زيادة القيمة المضافة لقطاع السياح، و ضخ استثمارات جديدة من القطاع الخاص، وزيادة عدد الشاغلين للوظائف الجدد التي يوفرها قطاع السياحة بأعداد كبيرة. ومع نمو هذا القطاع بصورة إيجابية فان ذلك سوف يعمل على إنماء قطاعات فرعية ترتبط بهذا القطاع من خلال مشاريع في مجال أنشطة الطبيعة والتحدي والمغامرة، وإدارة المواقع الطبيعية والمحميات للاستغلال السياحي، وتمكين المواقع الطبيعية لسياحة المغامرات، بجانب تعزيز العمل في مجال التراث والثقافة من خلال إدارة المواقع التراثية للاستغلال السياحي، وتنظيم الفعاليات والمؤتمرات والمعارض والترفيه والاستجمام، وتسهيل إنشاء مناطق محلية مخصّصة للمطاعم والمقاهي ذات طابع محلي، وإنشاء مشاريع ذات معالم سياحية متفرّدة، بالإضافة إلى تسهيل إنشاء المجمعات السياحية المتكاملة والفنادق وأماكن الجذب ذات الطابع المتميز. ومع وضع السياسات والتشريعات في هذا القطاع فيمكن إيجاد آليات للتفاوض بشأن توفير خدمات البنى الأساسية للمشاريع السياحية، وتسريع إجراءات إعداد مخططات سياحية لمناطق الجذب السياحي في عدد من المحافظات العمانية، مع العمل على مراجعة عقود الانتفاع والإجراءات المتعلقة بها، وتفعيل مركز خدمات المستثمرين والزبائن بوزارة السياحة، وتوفير تسهيلات لرعايا الأسواق السياحية الناشئة المصدّرة للسياح وتعزيز أنظمة التأشيرات الإلكترونية المعمول به حاليا في شرطة عمان السلطانية، مع العمل على برامج التسويق والترويج من خلال مكتب عمان للسياحة والمؤتمرات، وتفعيل صندوق التنمية السياحية وسوق العمل في القطاع السياحي بالإضافة إلى إيجاد حلول لتشغيل القوى العاملة الوطنية في هذا القطاع الحيوي.