روضة الصائم

أدب القضاء - فيما للقاضي وما عليه (13)

17 يونيو 2017
17 يونيو 2017

زهران بن ناصر البراشدي/ القاضي بالمحكمة العليا مسقط -

فيما يخص مجلس الحكم وتعامل القاضي عند الخصوم فمما روي عن علي كرم الله وجهه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة، فقلت: يا رسول الله تبعثني وأنا غلام حديث السن، فأسأل عن القضاء ولا أدري ما أجيب؟ قال: ما بد من ذلك، أن أذهب بها أنا أو أنت، فقلت: إن كان ولا بد فأنا أذهـب. قال: انطلق، فإن الله تعالى يثبت لسانك، ويهدي قلبك، إن الناس يتقاضون إليك، فإذا أتاك الخصمان فلا تقض لواحد حتى تسمع كلام الآخر، فإنه أجدر أن تعلم لمن الحق»

وللحاكم أن يهدد الخصمين بما لا يريد أن يمضيه؛ إذا أراد استكشاف أمر خفي عليه، وبما لا يخرجه عن طور العدالة؛ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم من طريق ابن عباس رضي الله عنه في قضية الملاعنة بين هلال بن أمية وزوجه أنه قال: «إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل من تائب» وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن داود عليه السلام أتته امرأتان، قد أكل أحد ابنيهما الذئب، تختصمان في الابن الباقي، فقضى به للكبرى، فلما خرجتا على سليمان قال: كيف قضى بينكما، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بسكين - قال أبو هريرة: وأول من سمعته يذكر السكين رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كنا نسميها المدية - قالت الصغرى: لم ؟، قال: نشقه بينكما، قالت: ادفعه إليها، وقالت الكبرى: شقه بيننا، فقضى به سليمان للصغرى وقال: لو كان ابنك لم ترضي أن تشقيه».

ويندب له النصح لطرفي النزاع لما روي عنه صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذن منه شيئًا فإنما أقطع له قطعةً من النار.

وعن محمد، أن شريحاً كان مما يقول للرجل: إني لأقضي لك، وإني لأظنك ظالماً، ولكن لا أقضي بالظن، وإنما أقضي بما يحضرني من البينة، وإن قضائي لا يحل لك شيئاً حرم الله عليك.

وفيما يتعلق في حكم القاضي بعلمه، ورد الخلاف بين فقهاء الأمة في حكم القاضي بعلمه سواء عند السادة الإباضية أو فقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى فهذا النور السالمي يقول: اختلف العلماء في الحاكم هل له أن يحكم بعلمه؟ المشهور المنع وقيل له إلا في الحدود، وإذا دعت الحاجة إلى الأخذ بخلاف المشهور لقطع الفساد عن العباد فذلك حسن وقد أمر به الإمام راشد بن سعيد رضي الله عنه بعض ولاته حين رأى الناس اندفعوا في ظلم بعضهم.

وفي المنهج: وقيل: يجوز للحاكم أن يحكم بما علمه في الحين الذي يكون فيه حاكماً وأما علمه قبل أن يكون حاكماً، فلا يجوز أن يحكم به.

والفرق بينهما: أن ما علمه وهو حاكم إنما هو حق ثبت عنده وصح في مجلسه للحاكم، وأيضاً له أن يحكم في المصر حيث شاء وكل ما صح معه في مصره فكأنما صح معه في مجلس الحكم وكل المصر مجالس له للحكم فلذلك جاز له أن يحكم بما علمه.

وقيل: علم القاضي أصح وأقوى من البينة؛ لأن البينة إنما توجب علماً ظاهراً، ويجوز أن ينقلب في باب من الأبواب لعلمنا بغلط الشهود وقلة ورعهم في باطنهم، وما علمه الحاكم لا ينقلب في الثاني، وقد تعبد الله الحاكم أن يحكم بما يعلم. قال الله تعالى: «إلا من شهد بالحق وهم يعلمون».

وشرط جواز الحكم بالعلم أن يكون الحاكم مشهورًا بالصلاح والعفاف والصدق، ولم يعرف بكبير زلة ولم يؤخذ عليه خربة، بحيث تكون أسباب التقى فيه موجودة وأسباب التهم فيه مفقودة فهذا الذي يجوز له أن يحكم بعلمه.