روضة الصائم

علم المنطق: أقسامه

17 يونيو 2017
17 يونيو 2017

علي بن سالم الرواحي -

إن الدين الإسلامي دين فكر وعلم وعمل، متفتح على جميع العلوم البشرية المفيدة، ومن ذلك علم المنطق، جاء لعمارة الأرض وفق منهج سماوي مستقيم، يضمن السعادة للصالحين في الدارين.

نبحث هنا عن أقسام العلم الذي يقود إلى الهداية، والعمل ثمرة العلم ولا بد له من علم واضح مفهوم حتى يصح الدين، قال الله تعالى: (وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)، فنتيجة عدم العلم الضلال؛ لذا نأتي مقدمة مسبقة عن العلم عند المناطقة، ثم نقرر جواب هذا التساؤل.

لا ريب من مسلمات علم المنطق أن الجهل نقيض العلم، والنصوص الشرعية جاءت بتصورات وتصديقات حقيقية دون شك، لذلك من المناسب أن نتحدث عن العلم والجهل، لأن العلم الحقيقي والفهم الصحيح لتلك النصوص الشرعية مدعاة إلى الألفة والاجتماع، وإن اختلاف الناس في الفروع وفيما تحتمله معاني النصوص هو رحمة لهم واختلاف تنوع وتكامل لا تضاد، وهذه ثقافة لو تحلى بها الإنسان لوسع صدره لمخالفيه.

إن العلم العقدي هو الإدراك الجازم المطابق للواقع الناشئ عن دليل، وينقسم إلى قسمين: علم قديم لا بداية له، وعلم حادث طارئ، فالعلم القديم هو علم الله وحده الذي لم يحصل عن معالجة المعلوم وإنما مكشوف بذاته العلية، كما أنه حقيقي لا يُنسى شامل محيط غير متقيد بزمن أو بمكان أو بكائن، وإنما هو علم مطلق، وليس به بدوات سبحانه، بينما العلم الحادث فيحصل عن طريق معالجة، وقد يكون لا حقيقي و قد ينسى صاحبه أو يضل فيه، وهو محدود جداً، وصدق الله إذ يقول: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).

إن العلم الحادث عند المناطقة هو انطباع أو حصول صورة المعلوم في ذهن العالم، وقد يحصل بالضرورة بلا حاجة إلى تفكر وكسب، ويسمى هذا العلم الضروري أو البديهي، كالوجدانيات والأوليات العقلية والمحسوسات والتجريبيات (العادات الطبيعية المطردة) والحدسيات والمتواترات، فكلنا يعلم جوع نفسه، وعطشها، وألمها، وفرحها وغضبها ورضاها وسخطها، وجميعنا يعلم أن الثلاثة أقل من الستة، وكلنا يعلم البرودة والحرارة إذا حسهما، وجميعنا يعلم أن الثلاثة أقل من الستة، وكلنا يعرف أن حركة الماء العادية تكون من أعلى إلى أسفل، وجميعنا يحدس أن نور القمر مستمد من ضوء الشمس، وكلنا يعرف أن بلادا مثل أمريكا موجودة ولو لم نرها على الحقيقة.

والقسم الآخر النظري الذي يكتسَب بفكر وتفكر، كعلم الفقه وعلم أصول الفقه ومسائل علم المنطق، وعلوم الطبيعة والرياضيات، قال نور الدين السالمي في بهجته:

ومحـــــــدث العلــــــم ضروري بلا

تأمُّــــــــــــل ونظــــري تؤمـــــلا

والعلم كذا ينقسم إلى تصور وتصديق، فالتصور هو إدراك معنى مفرد خال من الحكم، نحو إدراك الماء، والعصير، فالأول إدراكه من حيث إنه ماء والثاني إدراكه من حيث إنه عصير، وبمعنى آخر هو إدراك ماهية الشيء.

والتصديق إدراك نسبة حكمية واقعية بين أمرين بالإثبات أو بالنفي، نحو هل خط الاقتران التربيعي يكون منحنى أم لا، فقد حكم على هذا الخط بأنه منحنى، ويسمى التصديق خبراً عند البلاغيين، وجملة عند النحويين وقيل إن التصديق يتركب من أربعة تصورات: تصور المحكوم عليه وهو الموضوع، كتصور زيد. وتصور المحكوم به وهو المحمول، كتصور مجتهد. وتصور النسبة الحكمية، كتصور نسبة (مجتهد) إلى (زيد). وتصديق تلك النسبة، أو تكذيبها، أي تصور وقوعها أو لا، وهذا التصديق يكون بسيطا، تمييزا له عن التصديق المركب، ولذلك هذا القسم سمي بأشرف قسميه وهو التصديق. والعلم ينقسم من ناحية أخرى إلى حضوري وحصولي ، فالأول، يعني حضور المعلوم نفسه لدى العالم، نحو الإحساس ببرودة مكيف، فالبرودة حضرت في جسم العالم، والثاني هو حصول صورة المعلوم لدى العالم، مثل معرفة الله سبحانه، فالله منزه عن الحضور في نفس العالم وعن إدراكه، والله عليم أي أن الجهل منتفٍ عنه، وينقسم الجهل إلى بسيط ومركب، فالأول مجرد عدم معرفة الحقيقة، والثاني هو عدم معرفة اعتقاد بخلاف الحقيقة، ومثال الأول: عدم معرفة توجيه الصلاة، ومثال الثاني: قراءة الفاتحة بدل التوجيه، حيث جهل التوجيه الحقيقي أولاً، ثم جهل باعتقاد أن فيه تقرأ الفاتحة ثانياً.

ودرجات العلم الحصولي تنازلياً هي: اليقين وهو الأخذ بالقطعي. والظن هو الأخذ بالراجح. والشك تساوي الاحتمالين. والوهم الأخذ بالمرجوح.

ويفرق بين العلم والمعرفة في أن العلم يفيد القطع، بينما المعرفة قد تفيد الظن فهي أعم منه، والمعرفة يسبقها جهل، أما العلم قد لا يسبقه جهل كعلم الله.

هل الاختلاف بين البشرية بعد أن علموا بدين الله، سببه الدين أم لا، هذا ما سنتعرف عليه لاحقاً إن شاء الله.