1037839
1037839
روضة الصائم

روائع المساجـد الأثريـة العـمانية - جامع حارة البوسعيد بولاية أدم ..

17 يونيو 2017
17 يونيو 2017

ظهور المحراب بشكله الكامل بعد طمره بالتراب عقودا من السنين -

محمد بن سليمان الحضرمي -

وسط أفياء ظليلة من أشجار النخيل والحمضيات، تقع حارة البوسعيد في ولاية أدم بمحافظة الداخلية، زمردة الصحراء، وعند مدخل هذه الحارة تلوح قبة جامعها الأثري، أشبه بمكبر الصوت، ورغم أن الجامع يبدو قريبا بارتفاعه الشامخ، إلا أن الوصول إليه يستدعي اجتياز بوابة أثرية تثمل ثغر الحارة، ثم الدخول إلى الحارة بعد المرور من صباحها الداخلي، ومن ثم الانعطاف جهة اليمين حيث يقع الجامع، وبين مشهد بانورامي جميل يضم البيوت القديمة الأنيقة، وقمم الأشجار التي تشرف على المكان من جهتي الشمال والغرب، يبرز جامع حارة البوسعيد كمعلم أثري، زاده أناقة ثلاث خصائص، الأولى: موقعه في طرف الحارة من جهة الغرب المحفوفة بضواحي النخيل، والثانية رحابة صحنه الداخلي، والثالثة محرابه البديع الذي يشابه ويشاكل محراب جامع منح الأثري، فكلاهما تم تنفيذها في عام واحد، وهو عام 941هـ/‏‏1534م، وعلى يد نقاشين يتشابهان في الاسم، فأما جامع أدم فمصممه النقاش: عيسى بن عبدالله بن يوسف، وأما جامع منح فمصممه النقاش عيسى بن عبدالله بن مسعود بن سيف البهلوي، ولا أدري هل الشخصية المنفذة لكلا المحرابين شخصية واحدة، أم مجرد تشابه في الاسم الأول والثاني فقط، لكن من يمعن النظر أكثر في المحرابين يجد أنهما متشابهان في خارطتها الإجمالية، إذ تحملان نفس الهيكل الخارجي، من حيث شكل القبة والشذور المحيطة بها، وكتابة جملة التوحيد أعلى المحراب، وموضع توقيع اسم الصانع في الصدر، وكذلك من حيث حجمه في طوله وعرضه، هذا التشابه حد التوأمة بينهما جعل من الباحث الإيطالي بلديسيرا أن يميل إلى أن الصانع لكلا المحرابين هو شخص واحد.

وهذا التشابه بين الأساليب النقشية وأسماء النقاشين، يجمع أيضا بين مسجد الشواذنة بحارة العقر بنزوى، وجامع حارة البوسعيد في أدم، فكلاهما من تصميم النقاش: عيسى بن عبدالله بن يوسف، ولكن تنفيذ محراب الشواذنة الذي انتهى منه عام 936هـ/‏‏ 1529م، يتقدم زمنا عن تنفيذ محراب جامع حارة البوسعيد بخمس سنين، ويبدو أن هذا النقاش اعتمد هيكلا محرابيا واحدا للمحاريب التي ينفذها، ويحدث اختلافا في الأجزاء الداخلية الدقيقة لكل محراب.

وعودة إلى محارب جامعي منح وحارة البوسعيد بأدم، فإنه بعد التدقيق وإمعان النظر إلى شكل النقوش، وقراءة الأجزاء الداخلية للمحراب، نجد اختلافا كبيرا بينها، إذ لم أجد قطعة نقشية واحدة تتكرر في كل منها، حتى قبة المحراب في جامع حارة البوسعيد تختلف عن قبة محراب جامع منح، كما تختلف أيضا عن قبة محراب مسجد الشواذنة بنزوى، وإن اتفقت في شكل الهيكل الخارجي، لأنها من تصميم نقاش واحد، يتألف الصحن الداخلي جامع حارة البوسعيد بولاية أدم من 12 سارية دائرية، مع وجود أسطوانات أخرى جانبية، مثبتة على الجدارين الشمالي والجنوبي وعددها ثمانية، واللافت في تصميم الصحن الداخلي أنه منخفض بعمق متر ونصف عن الخارجي، وكنت قد زرت الجامع قبل عقدين ونصف من الأعوام، ووجدت الربع الأول من المحراب مطمور تحت الأرض، وسألت عن السبب فقيل لي حتى يتساوى صحنه الداخلي المنخفض بصحنه الخارجي، مما أحدث ضررا كبيرا بشكل المحراب، فبقي على حالة الطمر للمحراب عقودا من السنين، وفات الكثير من جيران الجامع رؤية هذه المنحوتة النقشية، كما أراد لها أن تكتمل نقاشها عيسى بن عبدالله بن يوسف قبل خمسة قرون.

في تلك الأزمان يتجاهل الناس الملامح الفنية للمعمار بجميع مكوناته، ولا يهمهم في الأمر سوى أداء الصلاة فيه، فالجامع للعبادة وليس للفرجة، وحيين رأوا أن انخفاض الصحن الداخلي للجامع يؤدي إلى تعثر كبار السن، حين دخول للجامع وخروجهم منه، فإن الضرورة اقتضت بردم الساحة الداخلية الجامع.

وبعد أن دخل الجامع خطة الترميم الحديثة، ومعه يتم ترميم الحارة الأثرية بالكامل، فإنه التراب المطمور في أرضية الجامع أزيل، لتبدو من جديد تحفة النقاش عيسى بن عبدالله، كما كان قد رسمها في السنة الأولى من العقد الرابع للقرن العاشر الهجري.

وما يسترعي الانتباه في جامع حارة البوسعيد بولاية أدم، هو أن الشكل الخارجي للجامع متواضع جدا، مقارنة بصحنه الداخلي، كما أن التمعن في جمال المحراب بنقوشه وشذوره الجصية، يكشف عن جامع فخم البناء. لقد تم ترميم الجامع، ولكنه ما يزال غير مفروش ولا مهيئ للصلاة، مجرد أطلال تم ترميمها، ولذلك فإن الجامع بحاجة إلى تأثيث وتكييف وإعادة تنظيف وإعمار باستمرار، حتى لا تتصدع سواريه وجدرانه، ويضيع جهد الترميم.

وبلا شك فإن جامع حارة البوسعيد، يعد تحفة العمارة الدينية في ولاية أدم، هذه الولاية التي تكثر فيها المساجد والحارات والبوابات، والمدارس القديمة لتعليم القرآن الكريم، مما يجعلها مدينة تتكامل فيها كل معطيات الحضارة، التي تصل بها إلى حاضر مشرق.