أفكار وآراء

محاربة الإرهاب في أفغانستان .. أين الخطأ؟

16 يونيو 2017
16 يونيو 2017

محمد حسن داود -

التوترات الأمنية الخطيرة والتفجيرات الدامية التي ضربت أفغانستان في الأسابيع الماضية تطرح تساؤلات مهمة حول حالة الاستقرار المنشودة في تلك الدولة التي تكتوي بنيران الحروب الأهلية والعمليات الإرهابية والتدخلات الدولية على مدى العقود الأربعة الأخيرة حرمت خلالها من أي شكل من أشكال الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي.

فتارة هي ضحية للانقلابات العسكرية الدامية، وتارة أخرى تغرق في مستنقع غزو أجنبي قادم إليها من موسكو ليغرقها في حرب شاملة لعقد كامل من الزمان، ثم تغوص في سلسلة من الحروب الأهلية الداخلية بين مجموعات من أمراء الحرب والتنظيمات المسلحة، إلى أن كانت الحرب العالمية على الإرهاب التي افتتحت بها الولايات المتحدة أول حروب القرن الحادي والعشرين في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ولا تزال تفاعلاتها وتداعياتها مستمرة حتى اليوم، ليطرح السؤال نفسه؛ أين الخطأ في الحرب على الإرهاب التي قادتها واشنطن في هذه الدولة وأسفرت عن مقتل الآلاف من البشر وتدمير واسع النطاق وحرمان شامل من السلام حتى مع تعدد المبادرات والجهود الرامية إلى إقراره بعد محاولات دمج الكثير من القوى والتنظيمات المسلحة في هذه الجهود.

لاشك في أن الدولة الأفغانية قد عادت إلى المربع «صفر» على وجه التقريب، ما يعني أن الحرب الأمريكية على الإرهاب داخل هذا البلد على وجه التحديد قد فشلت في تحقيق أهدافها بسيرها في الاتجاه المعاكس، وأبرز معالمه العمل على تصفية المطاردين من قيادات «القاعدة» على وجه الخصوص وصولا إلى رأس «أسامة بن لادن» عام 2011 دون أن تبذل جهودا حقيقية لاقتلاع الظاهرة الإرهابية من جذورها بما يؤدي إلى إحلال سلام حقيقي في تلك الدولة بدلا من تجييش «الدرونز» والطائرات بدون طيار التي أزهقت حياة الآلاف من المدنيين الأبرياء في أفغانستان وباكستان على حد سواء.. والمحصلة المؤكدة لذلك أن دخول القوات الأمريكية للأراضي الأفغانية تسبب في دمار لا حدود لها بينما انسحابها لم يجلب لها السلام، بل يمكن القول إنها تركتها عند مفترق طرق خطير ومرحلة جديدة من مراحل الحروب الأهلية، تجلت معالمها بوضوح في الاضطرابات الأمنية والتفجيرات الدامية الأخيرة وأبرزها بالقطع تفجير حي السفارات داخل العاصمة كابول.

ولا يبدو أن الأمور ستتجه إلى الأحسن في المرحلة المقبلة، وليس أدل على ذلك من تأكيدات مدير المخابرات الوطنية الأمريكية دان كوتس أن الوضع الأمني في أفغانستان سيواصل التدهور حتى إذا حدثت زيادة متواضعة في الدعم العسكري الأمريكي وذلك في وقت تبحث فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب إرسال المزيد من القوات إلى البلد المضطرب. بينما أشارت تقديرات عسكرية أمريكية في وقت سابق من العام الحالي إلى أن وحدات الجيش الأفغاني تنسحب وفي بعض الحالات يتم إجبارها على التخلي عن قواعد متناثرة أو ريفية وإن بوسع الحكومة أن تزعم سيطرتها أو تأثيرها على 57 % فقط من البلاد. ويرى مدير المخابرات الوطنية خلال إفادة في جلسة بمجلس الشيوخ أن تقييم هيئة المخابرات هو أنه من شبه المؤكد أن الوضع السياسي والأمني في أفغانستان سيتدهور حتى 2018 برغم زيادة متواضعة في المساعدة العسكرية من الولايات المتحدة وشركائها، مؤكدا أيضا أن أفغانستان ستواجه صعوبة في خفض اعتمادها على المجتمع الدولي إلى أن تتمكن من احتواء التمرد أو تتوصل إلى اتفاق سلام مع طالبان.

كان القائد الأمريكي في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون قد صرح في فبراير الماضي بأنه يحتاج بضعة آلاف من القوات الدولية الإضافية لكسر الجمود في الصراع مع طالبان. بينما أكد مدير المخابرات العسكرية الأمريكية أن الوضع سيتدهور ما لم يعمل المدربون الأمريكيون مع الجنود الأفغان في مناطق أقرب إلى خط الجبهة وما لم تتم زيادة عددهم وتعزيز عمليات جمع المعلومات والاستطلاع، ولم يتم حتى الآن تقديم خيارات رسميا إلى الرئيس ترامب.

ومع تصاعد هجمات الربيع والصيف وانسحاب معظم قوات حلف الأطلنطي فان الأمر لم يتوقف في صراع الدول الأفغانية مع حركة طالبان المتمردة، بل وجد تنظيم «داعش» موطئ قدم له في أفغانستان، وأصبح يهدد الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، فقد قال شهود ومسؤولون إن مقاتلين موالين لتنظيم داعش سيطروا على مساحات واسعة في أفغانستان للمرة الأولى؛ إذ انتزعوا مناطق في الشرق من حركة طالبان؛ ما يمثل تهديدا جديدا للاستقرار. وقال شهود فروا من القتال في إقليم ننجرهار: إن مئات المقاتلين الذين بايعوا تنظيم «داعش» طردوا طالبان، وأحرقوا حقول الخشخاش التي تساعد في تمويل حملة طالبان للإطاحة بالحكومة الأفغانية، ونشر مقاتلو تنظيم «داعش» أيضا توجيهات قالوا إنها صادرة عن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.

وفي ضوء هذه الحقائق لا يزال الوضع في أفغانستان خطيرا والأجواء متوترة، فالبلد لا يزال يعاني من انقسامات وصراعات وحالات من الإحباط دون أن يتمكن التدخل العسكري الدولي من تحقيق استقرار دائم وازداد انتشار الميلشيات المسلحة والفساد، وفي السياق ذاته هناك خلافات سياسية عالقة داخل حكومة الوحدة الوطنية ولم تنجح حتى الآن محادثات السلام مع طالبان، وبمرور الوقت تزداد حدة النزاع في إطار الهجوم الصيفي السنوي لطالبان كما هو حادث هذه الأيام عبر تنفيذ هجمات خطيرة تتناقلها وسائل الإعلام، وما يزيد الأمر صعوبة هو تفاقم مشكلة انعدام الآفاق الاقتصادية، وتشديد عمليات ترحيل اللاجئين الأفغان من باكستان وإيران وعدد كبير من المشردين في الداخل، يزيد الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية ويفاقم من أعباء الحكومة الحالية حيث تقف عاجزة عن مواجهة تلك الصعاب.

ووفقا لرأي كثير من المراقبين والمحللين والخبراء الدوليين بشكل عام، الوضع في أفغانستان متفاوت وغير ثابت، فهناك بعض المناطق مثل محافظات بانجشير، دايكندي وباميان أو شمال مدينة مزار الشريف، غير متأثرة بأعمال العنف نسبيا، على عكس الأوضاع في مناطق الصراع الساخنة مثل شمال قندوز، جنوب هلمند أو شرق ننجها، فالأوضاع في هذه المناطق تشهد توترا واضحا، ويرى المراقبون أن المناطق التي تشهد حربا شرسة ودائمة محدودة جدا، وتغلب فيها حالات عدم الاستقرار، لكن الحياة تسير بشكل طبيعي في أجزاء كبيرة من أفغانستان، ولكن برغم أن الدعم الدولي لأفغانستان في القضايا الأمنية والتنمية الاقتصادية مستمر، مما يساعد على إحداث تغير إيجابي ويمنع انجراف أفغانستان نحو صراع مفتوح وشامل. وبرغم أن الوضع الاقتصادي والبنية الأساسية في أفغانستان تطورت كثيرا رغم التوترات الداخلية الكبيرة إلا أن عدد الضحايا المدنيين في عام 2016 كان أعلى من أي وقت مضى، مما دفع المنظمات الدولية للمطالبة بإعادة تقييم الوضع في أفغانستان.

هذا التصعيد الكبير والتوترات الأمنية الخطيرة جاءت وسط جهود حكومية لإيجاد حلول من خلال عملية مستمرة لتسوية الأزمة السياسية وتحقيق قدر من الاستقرار في أجزاء من أفغانستان، وفي الوقت ذاته تمكنت الحكومة في خريف عام 2016 من التوصل إلى اتفاق سلام مع ميلشيات المعارضة المسلحة وزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين. كما تم الحد من توسع الجماعات المسلحة والتابعة لما يعرف بــ(داعش) في شرق أفغانستان وجنوبه، إلا أن الشواهد كافة والتطورات الأخيرة التي جرت على الساحة الأفغانية تؤكد أن أفغانستان لا تزال بعيدة تماما عن السلام والاستقرار الحقيقي بعد كل هذه السنوات من الحروب والغزوات والحملات والتدخلات الغربية والأمريكية الثقيلة، الأمر الذي يؤكد مجددا فشل هذا المنهج في طرح مقاربات شاملة لعلاج ظاهرة الإرهاب لأنه ببساطة فضل السير في الاتجاه المعاكس باعتماد الحلول العسكرية فقط دون أي جهود أخرى تحقق تنمية شاملة وسلاما حقيقيا لشعوب هذه المنطقة الملتهبة.