ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :«مولاي إني ببابك قد بسطت يدي»..

16 يونيو 2017
16 يونيو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

كم تأسرنا الكلمات التي مطلعها: «مولاي إني ببابك قد بسطت يدي، من لي ألوذ به إلاك يا سندي» وهي للشاعر المصري عبدالفتاح مصطفى -رحمه الله- وينشدها بنغمها الجميل الشيخ النقشبندي - رحمه الله تعالى - «حسب المصدر»، حيث تستولي الكلمات واللحن الجميل على سويداء القلوب، وهي تتفطر وجدا في هذه العلاقة القائمة بين العبد وربه، يقينا لن نقترب هنا من آيات الكتاب الكريم، ومدى تأثيرها على النفس والقلب عندما يهضمها القلب مستوحيا هيبة ملك الملوك وجبار السموات والأرض، هنا فقط، هذا الانبساط العجيب للنفس، وهي تتأثر بهذه الكلمات واللحن الشجي، لهذا الشيخ الجليل عليه رحمة الله الواسعة.

وهذا يقودنا إلى الحديث عن هذه العلاقة الطاهرة بين العبد وربه، هذه العلاقة العميقة بين المخلوق وخالقه، هذه العلاقة الخاصة والخاصة جدا بين بني آدم بضعفه وتهالكه وبين خالق هذا الكون بجبروته وقدراته الخارقة، هذه العلاقة التي لا يستطيع كائن من كان أن يقف في منتصف المسافة بينهما؛ ليقيم حجمها وتأثيرها، ليقيم عمقها وبساطتها، ليقيم صدقها وكذبها، ليقيم حقيقتها ونفاقها، ليقيم شفافيتها ورهافة حسها، ليقيم نور قلوب أصحابها، ليقيم صدق الدموع المنثورة في الليالي المظلمة، وفي رهافة سمعها وتمعنها لآيات الذكر الحكيم.

كل هذا التبتل، وكل هذا الضعف أمام خالق السموات والأرض ومن فيهن، لن يأتي هكذا مصادفة، لن يأتي هكذا وقلوبنا معلقة في حب غيره، لن يأتي ونفوسنا مملوءة بالشحناء والضراء للآخر، لن يأتي وأبصارنا زائغة فيما لذ وطاب، لن يأتي ونحن لا ندري عن حقيقة هذه العلاقة التي تربطنا بالله، لن يأتي ونحن لا نزال نفضل عبدا على خالقه، لن يأتي ونحن لا زلنا نفكر في لقمة العيش قبل التوكل على الله، لن يأتي ونحن لم تترسخ القناعة في قلوبنا؛ وفي نفوسنا بأن العبادات تنبئ عن فعل الصدق، وتنبئ عن فعل الأمانة، وتنبئ عن فعل الإخلاص، تسكننا الحياة بتشعباتها الكثيرة في كل مفاصل عواطفنا، وأجسامنا، وأحاسيسنا؛ فلا ننفك من هذا التشبث إلا ما ندر، وهذه الندرة إما تفعلها صدمة موقف لا نستطيع استيعابه، موت عزيز، فقر، ضعف من مرض، وإما رحمة من الله أستقصدها هذا أو ذاك، لحكمة يعلمها الله تعالى، مع أن الأمر واضح وضوح الشمس على امتداد آيات الذكر الحكيم التي أودعها الله عز وجل في كتابه الكريم الحكيم، ولكن لأننا نعيش ضعفا مستمرا ولا نحاول تبرئته، يظل كل ذلك بعيدا عن قلوبنا، بعيدا عن أنفسنا، بعيدا عن عواطفنا، بعيدا عن فطرة مشاعرنا.

فشهر رمضان الكريم الذي لم يكن مطلقا لأجل الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات الأخرى المباحة في فترة الإفطار، الجميع يدرك أنه فرض لأهداف إنسانية سامية لا تعد ولا تحصى، ولكن هذه الأهداف السامية لن تتحقق أبدا في نفوسنا، ونحن نبحث عن إمام يقرأ قليلا في صلوات القيام، ونبحث عن أعذار لعدم الإقدام بتأدية زكاة أموالنا، ونبحث عن أعذار بعدم تقديم صدقة لفقير أو مسكين، يبرأ بها من مظنة الحاجة والفقر، وفي المقابل ندفع مئات الريالات لأشياء قد تكون تافهة في كثير من الأحيان.

إن السمو الإيماني المتوخى من العبادات بمختلف أنواعها وأهدافها؛ ليس يسيرا أن يتحقق ببساطة الإهمال الذي نمارسه على أنفسنا تجاه هذه العبادات كلها المفروضة، أو المسنونة، «ألا إن سلعة الله غالية»، ففرق بين من حفرت الدموع أخاديد على جبينه من أثر التهجد والمناجاة في الليالي المظلمة، وبين ما عايش نفس هذه الليالي في لهوه وسمره؛ مداعبا عواطفه، وملبيا رغباته الغريزية فيما يحل وما لا يحل، ولذلك تظل خسارتنا كبيرة، في أعمارنا التي يستهلكها لهو الحياة، ومن يستفيق مبكرا فقد كسب رهان العلاقة الحقيقية مع الله.

مَوّلاي إنّي ببابك قَد بَسطتُ يَدي.

مَن لي ألوذ به إلاك يا سَندي؟

أقُوم بالليّل والأسّحار سَاهيةٌ

أدّعُو وهَمّسُ دعائي. بالدموع نَدي

بنُور وجهك إني عائد وجل.

ومن يعد بك لَن يَشقى إلى الأبد.

أدّعوك يا ربّ فأغّفر زلّتي كَرماً..

واجعل شفيع دعائي حُسن متقدي