روضة الصائم

هل الإسلام يعارضه؟

16 يونيو 2017
16 يونيو 2017

علي بن سالم الرواحي -

إن الدين الإسلامي دين فكر وعلم وعمل متفتح على جميع العلوم البشرية المفيدة بشتى أنواعها جاء لعمارة الأرض وفق منهج سماوي مستقيم يضمن السعادة للصالحين في الدارين.

تكلمنا فيما سبق عن مقدمة في علم المنطق وهو الجانب الأول وسنتعرف هنا عن الجانب الثاني وهو منطق الإسلام، حيث جاءت تعاليم الإسلام لتحرير البشر من المعتقدات الفاسدة، وتنقيتهم من كدر الانحرافات الضالة، فالإسلام يدعو إلى العلوم المفيدة، ورفع درجة العلماء، ويكفي أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بدعوته بالاستزادة من العلم، قال الله سبحانه: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)، لما في العلم من فوائد لا تحصى ويكفي أن العمل تابع له، ولا يصح العمل إلا به، ويلاحظ أن منطق القرآن والسنة أعلى من منطق الفكري لأنه فوق طاقة البشر وذلك تقرير كثير من الحقائق بأسلوب سهل يفهمه العوام ولا يختلف عليه اثنان وتحت إطار الهداية، ويوجد أكثر من ثلاثمائة آية تدعو إلى التفكر والتدبر والتعقل، وبعضها يلقن النبي الحجة ضد أعداء الحق، إلى جانب حجج النبيين السابقين عليهم السلام كحجج إبراهيم، كما أن ما يقارب من حجم تسعة أجزاء قرآنية تتحدث على المنطق والفكر والفلسفة وبناء الشخصية، وكثير من العبادات معقولة المعنى أما الغير معقولة المعنى فقد تتحول في يوم من الأيام إلى معقولة المعنى عندما يكشف العلم عن أسرارها وحكمتها. إن الله أقام الحجة بوجوده على عباده بالعقل، فإن العقول من بديهتها أن تؤمن بالله الأحد، لأنه إذا كنت عاجزاً وجميع الخلق عاجزين فإنه لا بد أن يكون هناك أحد كامل وهذا شعور وفطرة كل إنسان، ومع ذلك فإن جميع الخلق هي دلائل ومعالم منصوبة على وجوده سبحانه، لأن المصنوع يحتاج إلى صانع، وعلى هذا أوجب الإسلام النظر في المخلوقات بالعقل ليقتنعوا بوجود الله ويسبحوه ويحمدوه لكماله وجلاله وجماله، وقد حارب الإسلام الشعوذة والأراجيف والأساطير، ودفع العقل إلى استنباط أحكام الشرع من الكتاب والسنة ورتّب على ذلك الأجر العظيم، ودعا للمنطق، حيث قال سبحانه: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وحجية القياس ثابتة بالكتاب والسنة، فمن الكتاب مثل: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)، فقاست الآية أولي الأبصار بأهل الكتاب، إن هم عملوا عملهم فتكون العاقبة واحدة، وسنة الله لا تتغير، ومن السنة مثل قَول امرأة من خثعم: (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ عَنْهُ، أَكُنْتِ قَاضِيَةً عَنْهُ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَذَاكِ ذَاكِ» (رواه الربيع) ومع ذلك فإنه عفا العقل عما فوق طاقته فهو لا يستطيع إدراك الغيبيات، وقد تكفل الله سبحانه ببيانها له ولا يجوز القياس فيها، فالوحي أكبر وسيلة معرفية ثم العقل ثم الحس.

إن الإسلام دين حرية وعقل فهو لا يجبر الناس على الإيمان، قال الله تعالى:(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وقال سبحانه:(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)

نستنتج ما سبق من المقدمتين أن الإسلام لا يعارض العلم ومن ضمنه علم المنطق المعروف لأنه علم مفيد بل إنه قد وظّف كثيراً من مبادئه، كما اشترط على الآخذ به أن يأخذه من أناس أمناء ومن كتب أمينة حتى لا تتسرب دخان الضلال إليه، والله الذي أنزل الإسلام هو نفسه علام الغيوب فمصدر الحقائق العلمية والشرعية واحد والله منزه من التناقض، إذاً لا تعارض بين الإسلام وعلم المنطق.

وقد كان منذ البداية وجود منطق للإسلام يتمتع بأساس متين لا يهتز لأنه قائم على الوحي المعصوم والعقل الصحيح والحس السليم، فبراهينه مقنعة لكل شخص ومشبعة لكل عقل، ومصدقة للفطرة، ومستجيبة لكل شعور، إذاً أهم سماته قاعدته القوية، وشموله لمصادر المعرفة، ويرتكز هذا المنطق على أمور أهمها العقل والعلم والجهل والشهوة وعليه فعلم المنطق جائز في الإسلام.

أما المنطق الخاطئ الذي يؤدي إلى الإلحاد والشرك فهو باطل، فقضايا الإيمان لا يستطيع العقل الوصول إليها من دون الوحي، فكيف يحق له انتقادها، والله منزه عن الأوهام والأفكار والأقطار والعصور.

والله تعالى خلق الناس في بداية الأمر أمة واحدة، ثم اختلفوا إلى فرق، حتى جاء النبيون يعيدونهم إلى سابق عهدهم، وذلك بعلم الوحي، فما أقسام العلم المنطقي يا ترى هذا ما سنعرفه لاحقاً إن شاء الله.