روضة الصائم

تجليات مظاهر التعايش مع الآخر

16 يونيو 2017
16 يونيو 2017

أ. د حميـد لـحمـر - أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله /‏فاس -

ملخص ورقة قدمت لندوة تطور العلوم الفقهية بمسقط -

لأهل الذمة حقوق وواجبات، وقد ذكر السادة الفقهاء أن من أهم حقوقهم: الحماية من الاعتداءات الخارجية: وفي هذا الصدد يقول الإمام القرافي في الفروق نقلا عن الإمام ابن حزم في مراتب الإجماع: إن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صونا لمن هو في ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة.

وكما حماهم من الاعتداءات الخارجية ضمن لهم الحماية الداخلية: وقد تعددت الآيات والأحاديث الواردة في هذا الموضوع تحذر من ظلم غير المسلمين من أهل العهد والذمة منها: قوله -صلى الله عليه وسلم: من ظلم معاهدا، أو انتقصه حقا أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة.

وقال: «من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خاصمته يوم القيامة» وفي الطبراني: «من آذى ذميا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله».

وتزخر كتب الفقه بالتشريعات التي تحرم التعرض بأي شكل من الأشكال للمستأمنين من أهل الكتاب ونظرائهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم فمن قتل نفس معاهد -كما ذكرنا- لم يذق رائحة الجنة وأن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما، ومن ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيكون حجيجه يوم القيامة، بل إن مجرد قذف أحدهم ليعتبر كبيرة من الكبائر في عرف الكثير من الفقهاء، ولا يقف سريان العمل بهذه التشريعات ومثيلاتها ما لم يعلن المستأمنون الحرب على المسلمين أو يظاهروا عليهم عدوا يقاتلهم أو يظهر منهم ما يسيء للإسلام والمسلمين.

وقد صرح كافة الفقهاء من جميع المذاهب الفقهية وأكدوا بأن على المسلمين دفع الظلم عن أهل الذمة، والمحافظة عليهم، لأن المسلمين حين أعطوهم الذمة قد التزموا دفع الظلم عنهم.وهم صاروا به من أهل دار الإسلام، بل صرح بعضهم بأن ظلم الذمي أشد من ظلم المسلم إثما.

وضمن لهم حماية الدم والبدن فدماؤهم معصومة باتفاق فقهاء المسلمين، وقتلهم –كما ذكرنا-حرام بالإجماع، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما، وهو مما أخرجه الإمام البخاري

ولهذا –قلنا -: أجمع فقهاء الإسلام على أن قتل الذمي كبيرة من كبائر المحرمات لهذا الوعيد.

ويضاف إلى هذا التزام الفقه الإسلامي بتوفير الأمن والأمان لكل من لجأ إلى دار الإسلام من المطاردين لأسباب دينية أو سياسية، قال تعالى: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون» سورة التوبة الآية /‏‏‏6 وقد نص الفقهاء على عدم جواز مفاداة المستأمن بالأسير المسلم لدى غير المسلمين حتى لو طلب أهل الحرب ذلك إلا بموافقة المستأمن ورضاه إلا أن هذه الحماية لا تشمل كل من ثبت ارتكابهم لجرائم القتل والحرق والنهب والاغتصاب وما شابه ذلك من أشكال البغي والفساد في الأرض في البلدان الفارين منها. ورغم مخالفتهم في دينهم لدين الإسلام، فإن هذا الأخير من أهم ما ضمن لهم، حرية التدين ومنها حرية الاعتقاد والتعبد، فلكل ذي دين دينه ومذهبه، لا يجبر على تركه إلى غيره، ولا يضغط عليه ليتحول إلى دين الإسلام.