روضة الصائم

عثمان بن عفان2

15 يونيو 2017
15 يونيو 2017

د. سعيد بن سليمان الوائلي -

عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشريعة -

ومواصلة فيما روي عن الصحابي الجليل عثمان بن عفان في تفسير القرآن الكريم، على قلة المرويات، وبما يمكن أن ندرك من خلاله ما قام به الصحابة بصفة عامة من جهد علمي في خدمة كلام ربهم، وما قام به الخلفاء بصورة خاصة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، وبصورة أخص ما جاءت به الآثار عن أحد الخلفاء الأربعة وهو عثمان بن عفان.

فإن مما روي عن عثمان بن عفّان: أنّه سئل عن الجمع بين الأختين في التسري فقال: أحلتهما آية يعني قوله تعالى: ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) وحرّمتهما آية يعني قوله: (وأن تجمعوا بين الأختين).

ومما روي عنه في تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء : 35)

قال الطاهر ابن عاشور: الآية دالّة على وجوب بعث الحكمين عند نزاع الزوجين النزاعَ المستمرّ المعبّر عنه بالشقاق، وظاهرها أنّ الباعث هو الحاكم ووليّ الأمر، لا الزوجان، لأنّ فعل (ابعثوا) مؤذن بتوجيههما إلى الزوجين، فلو كانا معيّنين من الزوجين لما كان لفعل البعث معنى. وصريح الآية: أنّ المبعوثين حكمان لا وكيلان، وبذلك قال أئمّة العلماء من الصحابة والتابعين. وقضى به عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفّان، وعلي بن أبي طالب.

ولعل من أبرز الوقفات المهمة في عهد الخليفة عثمان بن عفان والمتعلقة بالقرآن الكريم: جمع الناس على مصحف واحد، بما يوحد صفوفهم ويجعل دائرة الخلاف في أضيق دائرة لها، فالخليفة عثمان لم يكتفِ بإرسال المصاحف وحدها إلى الأمصار لتعليم القرآن، وإنما أرسل معها جماعة من قراء الصحابة يعلمون الناس القرآن بالتلقين..

وقد تغايرت قراءاتهم بتغاير رواياتهم، ولم تكن المصاحف العثمانية ملزمة بقراءة معينة لخلُوِّها من النَّقط والشَّكْل لتحتمل عند التلقين الوجوه المروية، وقد أقرأ كل صحابي أهل إقليمه بما سمعه تلقيًا من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهي قراءة يحتملها رسم المصحف العثماني الذي أرسل منه نسخا إلى جميع الآفاق فمثلا لفظ: «فتبينوا» من قوله تعالى:

}إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا{ .. من غير نقط يحتمل قراءة «فَتَثَبَّتُوا».

وعلى هذا فقد تمسك أهل كل إقليم بما تلقوه سماعًا من الصحابي الذي أقرأهم وتركوا ما عداه؛ ولهذا ظهر الخلاف بين القراءات.

ومع أن هذه النقطة ليست تفسيرا للقرآن بصورة مباشرة، إلا أن لها اتصالا به وتعلقا بمادته، حيث إن المفسر للنص القرآني يشترط في حقه أن يكون ملما بالقراءات القرآنية، وإن من أسباب اختلاف العلماء في تفسير النص القرآني اختلافهم في وجوه القراءات، خاصة فيما له تعلق بالمعنى.

وإننا لنجد ضمن ما تميز به فكر الصحابة أنهم لا يجبرون الناس على آرائهم الاجتهادية، بل يصرحون لهم بحرية الفكر لكل أحد، بشرط أن يكون مصدر استمداده الأصول الشرعية، من القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة، ومن هذا الباب ورد عن عثمان بن عفان قوله عن رأي له: «إنما كان رأيا أشرت به، فمن شاء أخذه ومن شاء تركه».

فأين فكرنا وواقعنا من هذا الفكر عند سلف الأمة وخير القرون، أين نحن من تطبيق هذا الفكر الراقي في منهجه والأصيل في مصدره ومنبعه.