المنوعات

الشاعر المصري محمد سليمان: السياسة تفسد الشعر

14 يونيو 2017
14 يونيو 2017

سرت وراء المسحراتي بـ«طبلة» والفقر لم يمنع الناس من الاستمتاع برمضان -

لا أقيد نفسي بتفعيلة محددة.. ولا شعر بدون موسيقى -

القاهرة – حسن عوض -

منذ أن أصدر الشاعر المصري الكبير محمد سليمان ديوانه «كالرسل أتوا» وهو يعمل على مشروعين شعريين مختلفين. الأول ديوان عن الثورة، يعتقد أنه لن يرى النور أبداً، لأنه ببساطة غير مقتنع به. يقول: «مشكلة ضخمة حينما يقترب الشعر من السياسة. السياسة تضعف الفن عموماً. هذا إيماني. لقد تسرَّب الحس المباشر إلى قصائد هذا الديوان الذي لم أسمه بعد، وهكذا كلما أفكر فيه أجد نفسي غير راض عنه مطلقاً».

الديوان الثاني «أسفار» يعمل عليه بصورة مكثفة منذ صدور «كالرسل أتوا» في 2012، ولكنه في الحقيقة بدأه منذ عشر سنوات كاملة. يعلق: «أنا أعيد النظر فيه حالياً، تلزمني إعادة بعض مقاطعه، وقراءته مرة أخيرة، وسيصير جاهزاً للنشر. إنه ديوان يشكل رحلات في الأزمنة والتواريخ والذاكرة، وهو بحق استعادة لكامل تجربتي الشعرية».

رغم أن سليمان يكتب النثر إلا أنك لا تعدم موسيقى واضحة في قصائده، ليست موسيقى الإيقاع بتعبير النقاد، وإنما موسيقى التفعيلة، غير أنه لا يسير على تفعيلة محددة، وفي أحد السطور الشعرية قد يحدث مزج بين تفعيلتين أو أكثر. يقول سليمان تعقيباً على هذا الرأي: «هناك شعراء كانوا يكتبون القصيدة العمودية ثم قرروا الاتجاه إلى قصيدة التفعيلة وهم هكذا قفزوا من قفص يحوي 16 بحراً إلى قفص آخر يضم 6 فقط، بالنسبة لي ليس من المنطقي أو المعقول أن أحبس نفسي في هذا القفص الصغير، وأنا منذ الثمانينات أقوم بما أسميه التجريب النغمي، حيث أحاول إيجاد نغميات جديدة، حيث لا أقنع أبداً بتفعيلة أو بشكل محدد، وأقول لنفسي دائماً إن أول كلمة في قصيدتك قد تحدد هذه التفعيلة، فلماذا أفعل ذلك وأجعل القالب هو الذي يحركني؟ التجريب عموماً ليس في النغم وإنما هو سياق عام يشمل كل شيء في العملية الشعرية»، ويضيف: «لا توجد كتابة شعرية بدون موسيقى. هذا إيماني، ولهذا أزاوج بين التفعيلات لأفتح لنفسي مجالاً واسعاً، لقد اكتشف الناقد الكبير الراحل عبدالقادر القط هذا الأمر في تجربتي الشعرية وكتب عنه، كما حدثني الدكتور جابر عصفور، انطلاقاً من هذا، عن النغمي في مقابل اللا نغمي، وأنا رددت عليه بالكلام عن النغمية في مقابل النغمية الجديدة، وقد وافقني في النهاية».

يرتبط شهر رمضان في عقل سليمان بكتابته لمسرحيتين شعريتين هما «العادلون» و«الشعلة».. حينما كان يعيش بمفرده كان لديه ذلك التركيز الكبير، والنهم الشديد سواء للقراءة أو الكتابة، وكان حريصاً على أن تكون قراءاته في رمضان دسمة، وكان يعد جدولاً بالأعمال التي سيقرأها، لكن بمرور الزمن وإنجابه لعدد من الأبناء الذين تركوه الآن وسافروا إلى بعض الدول العربية والأجنبية صار من الصعب أن يواصل سليمان بنفس الوتيرة. يقول: «أحاول القراءة بقدر المستطاع، أما الكتابة فقد صارت أقل بكثير».

يرى سليمان أن هناك فارقاً كبيراً بين رمضان قديماً والآن: «أتذكر في قريتي مليج وكل قرى المنوفية سواء في الخمسينات أو الستينات كنا ننتظر المسحراتي يومياً. كان يعبر في شوارع القرية منذ العاشرة مساء، يطرق كل باب، وينادي كل أب باسمه، وكنا نحن الأطفال نسير وراءه ونردد ما يقوله، وأقصى سعادتنا أن يمنح أحدنا طبلة ليساعده فيما يفعله».

ويضيف: «كان الناس يعانون من الصيام، ولكن نظامهم لم يختل. هؤلاء الفقراء كانوا يستيقظون مبكراً ويذهبون إلى حقولهم يزرعون ويحرثون ثم يعودون في مواعيدهم المقررة إلى المنازل. كان التكاتف سمة في القرى في ذلك التوقيت. كنا ننظم إفطاراً جماعياً بانتظام، الأبواب تظل مفتوحة، كانت هناك محبة حقيقية لم ينل منها الفقر، وأتذكر أن المسيحيين في مدرستنا، الطلاب والمدرسين، كانوا يصومون معنا. إحدى خالاتي كانت تعمل أيضاً مديرة لمدرسة كنسية، وكنا نذهب لرؤيتها هناك أحياناً، وتحكي لنا أن هناك حالة عامة من التعاطف معها من قبل المسيحيين».

سليمان يرى أن هناك تحولاً حدث في الثقافة حالياً: «في الستينات كنا نسير في شوارع القاهرة ونادراً ما نرى ثلاجة أو تلفزيوناً. كان المجتمع يتعامل مع مثل هذه الأعمال باعتبارها كماليات، شرفات القاهرة في ذلك التوقيت كانت تتزين بالقلل، أصبح مجتمعنا استهلاكياً مع الأسف الشديد».

ولد محمد سليمان عام 1946 بقرية مليج، محافظة المنوفية. تخرج في كلية الصيدلة، جامعة القاهرة 1968، يعمل صيدلانياً بالقطاع الخاص.

دواوينه الشعرية «أعلن الفرح مولده 1980، القصائد الرمادية 1983، سليمان الملك 1990، بالأصابع التي كالمشط 1997، أعشاب صالحة للمضغ 1997، هواء قديم 2001، ومسرحيتان شعريتان هما: العادلون، والشعلة 1994.». ترجمت بعض قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية، وقد حصل على جائزة كفافيس 1994.