روضة الصائم

أدب قضاء - فيما للقاضي وما عليه (11)

14 يونيو 2017
14 يونيو 2017

زهران بن ناصر البراشدي/ القاضي بالمحكمة العليا مسقط -

حرمت الخلوة بالأجنبية مهما كان السبب لقوله عليه السلام: (لا يخلون رجل بامرأة..)

وما يدعيه الكثير من الناس من الحاجة الخاصة بها فهي دعوى واهية أوهى من خيط العنكبوت، والتساهل في ذلك مخالفة للمعصوم -صلى الله عليه وسلم- وخروج عن أمره، وارتكاب لنهيه وزجره، الذي حذر منه الحق سبحانه وتعالى قال عز وجل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

وقد ورد في الحديث: «لا حياء في الدين»؛ إذ إنها لابد وأن تكون حاجتها إما في أمر دينها و«لا حياء في الدين» أو في أمر دنياها وذلك من باب أولى لا يبيح الخلوة بها.

وليحذر مخالطة قرناء السوء وأصحاب التهم؛ فإنها سبيل إلى النيل من عفته وشرفه، وطريق لهتك ستره، وسلم للقدح فيه ورميه بما لا يليق بكرامته، وقد روي من طريق أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل». وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المرء مع من أحب».

فإن من دخل مداخل التهم اتهم، ومن تعود شيئًا عرف به، ومن سلك مسلك أهل الريب والفجور فلا يلومن إلا نفسه، وعلى نفسها تجني براقش.

وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من علمنا منه خيرًا قلنا فيه خيرًا وظننا فيه خيرًا وتوليناه، ومن علمنا منه شرًا قلنا فيه شرًا وظننا فيه شرًا وتبرأنا منه».

يكره للحاكم: أن يبيع أو يشتري من أهل مملكته ما كان حاكمًا؛ خشية ميول النفس ومحاباتها لمن يعامله، فيؤدي به إلى الجور في الحكم، فإن النفس بطبيعتها ميالة إلى من أحسن إليها، ولكن يولي ذلك غيره ممن يثق به، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: مَا عَدَلَ وَالٍ اتَّجَرَ فِي رَعِيَّتِهِ».

ولا يقترض من أحد الخصوم ولا من أهل عمله ولا يستعير من أهل مملكته إلا من صديق كان يستعير منه أو يقترض من قبل أن يستقضى ولا يخاصم إليه في شيء.

ولا يقضي في دعوى فيها أحد ممن يتصل به بنسب أو مصاهرة أو وكالة أو صداقة، أو دعوى سبق أن أفتى فيها، أو اطلع عليها قبل الخصومة؛ خشية أن يدخله الحيف أو يدنسه الخصوم بما هو بريء منه.

ولا يسار أحدًا من الخصوم، ولا يلقنه حجته، ولا يضحك لأحدهما، ولا يمازحهما، ولا أحدهما، بل ولا ينبغي للحاكم أن يمازح أحدًا في مجلس الحكم ولو من غير الخصوم، ولا يسار جليسا والخصماء أمامه؛ كي لا يدخل التهمة على نفسه، ولا يقبل هديةً من أحد لم يكن بينهما صلة قبل القضاء، ولا يحضر دعوةً إلا العامة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز.

ويكره له الانقباض المانع من القطع بالحجة، وكذا اللين، الذي لا يؤمن معه من جرأة الخصوم عليه، وأن يرتب للشهادة قومًا دون غيرهم، وقيل: يحرم، لاستواء العدول في موجب القبول، ولأن في ذلك مشقةً على الناس بما يلحق من كلفة الاقتصار.

وقد سبق كثير من هذا في الكلام على خروج القاضي لمجلس الحكم فليرجع إليه.

ولا يفتي القاضي في الأحكام إذا سئل عنها خشية أن ترد إليه للفصل فيها فيؤثر عليه سابق علمه في القضية فيقع في الحرج المذموم، وكان شريح يقول: إنما أقضي ولا أفتي.

وأما الفتيا في سائر أمور الدين غير الأحكام فلا بأس عليه إذا أفتى بعلم، و: ليس للحاكم أن يضيف أحد الخصمين دون الآخر؛ لما روى عن علي بن أبي طالب أنه قال: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نضيف الخصم إلا ومعه خصمه.