روضة الصائم

تفسير الصحابة - عثمان بن عفان 1

14 يونيو 2017
14 يونيو 2017

د. سعيد بن سليمان الوائلي/ عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشريعة -

عثمان بن عفان ثالث الخلفاء، وممن تقدم حين تأخر غيره، وله من مواقف الكرامة والصحبة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما له، وعنده من العلم بكتاب الله العزيز وإدراك معانيه ما عنده، كيف يغيب ذلك عنه وقد كان قربه من النص إلى درجة كبيرة جدا.

روى البخاري عن أنس أنَّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة -ذلك لأنهم أعاجم يخطئون بقراءة القرآن- فقال لعثمان أدرِك الأمّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليكِ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله ابن الزبير وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يُحرَق.

وجمع عثمان للقرآن هو المسمى: بـ(الجمع الثالث)، واتَّبع زيد بن ثابت ومن معه من الصحابة طريقة خاصة في الكتابة ارتضاها لهم عثمان، وقد سمى العلماء هذه الطريقة بـ(الرسم العثماني للمصحف) نسبة إليه، وهو رسم لا بد من كتابة القرآن به لأنه الرسم الاصطلاحي الذي توارثته الأمة منذ عهد عثمان بن عفان، ولهذا الرسم أحكام وقواعد خاصة، وكانت مراعاتها بصورة خاصة، حيث كُتِبَ على نحو يتوافق والقراءات القرآنية.

ونسطر هنا فائدة مروية عن المفسر ابن كثير وهو من علماء القرن الثامن هجري، يصف فيها رؤيته للمصحف الإمام، جاء فيها أنه رأى مصحف الشام أي المصحف الذي أرسله عثمان إلى الشام وقال في كتابه «فضائل القرآن»: أمّا المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، و قد كان قديماً بمدينة طبرية ثم نُقِلَ منها إلى دمشق في حدود سنة 518 هـ. وقد رأيتُه كتاباً عزيزاً جليلاً عظيماً ضخماً بخط حَسَن مبين قوي، بحبر محكم، في رق أظنه من جلود الإبل.

إن ما قام به هذا الخليفة من جمع للمصحف الشريف وجمع الناس عليه كأصل يرجع إليه، لهو عمل عظيم القدر، وله الأثر بما هو أعظم منه، حيث يجعل شهود الذكر مستمرا لصاحبه.

أما التفسير في مادته فنجد المرويات عن ابن عفان فيه قليلة، غير أن وجود نماذج منها تفي بالغرض، لإدراك الاهتمام من هذا الصحابي الجليل بخدمة النص القرآني وتعامله مع تفسيره ومعانيه.

وإن مما نسب إلى عثمان بن عفان في تفسيره أنه لا يرى جواز التمتع بالحج، وقد اختلف علماء السلف في التمتع وفي صفته فالجمهور على جوازه، وأنه يحل من عمرته التي أحرم بها في أشهر الحج ثم يحرم بعد ذلك في حجة في عامه ذلك، وكان عثمان بن عفان لا يرى التمتع وينهى عنه في خلافته، ولعله كان في هذه الآية متأولا.