1034304
1034304
روضة الصائم

روائع المساجـد الأثريـة العـمانية - مسجد الشراة بولاية منح.. محراب فخم تتوسطه خمسة صحون خزفية ووثيقة خطية

13 يونيو 2017
13 يونيو 2017

محمد بن سليمان الحضرمي -

لا أعرف من أين جاءت تسميته بمسجد الشراة، إذ كلما سمعنا عن الشراة، تذكرنا المجاهدون الأوائل، الذين تسنموا صهوات المجد في كتب التاريخ، ووصلت إلينا أخبارهم كأشعة باردة من نجوم تسبح في سماء الله الفسيحة.

لعل لتسمية المسجد معنى آخر، غير هذا المعنى السياسي الديني المرتبط بالجهاد في سبيل الله، لعلها من المجاهدة الإيمانية والمرابَطة في المسجد، أو تكون بفتح الشين المشدد، لتصبح بمعنى ناحية المكان، كل هذه التفاسير واردة، والحفر في المعنى يعطي الكثير من الدلالات.

يقع مسجد الشراة في قلب حارة منح الأثرية بولاية منح، وكأنه واسطة العقد الجميل بين مسجدي العالي والعين، وأهم ميزة فيه هو محرابه الكبير الذي صنعه النقاش عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي في عام 922هـ/‏ 1516م، وأقام عليه وعاونه كل من محمد بن أبي الحسن، وصالح بن صباح، والشيخ خلف بن عبدالله بن خلف بن أبي العبد، وخلف بن بلحسن بن معين،، أترى كان النقاش مأخوذا بتسمية الشراة، ولذلك قدم لهم هذا المحراب هدية محبة منه؟. كل هذا وارد، وللأعمال الإبداعية أسرار وحكايات.

في هذه الزيارة وقفت مذهولا أمام المحراب، فقد جاد به الزمان بها بعد خمسة قرون من الآن، وهو من إبداعات الفنان عبدالله بن قاسم الهميمي الذي يصفه المستشرق الإيطالي أيروس بلديسيرا بالحكيم، وهذه التحفة هي من أجمل لوحاته النقشية في مساجد منح الأثرية.

وقفت مذهولا أمام رحابة المحراب طولا وعرضا، وأمام إبداعه بالخط الكوفي في رأس المحراب والمسمى بالتاج، حيث نقرأ (لا اله إلا الله محمد رسول الله)، كتبها بخط كوفي معقد التصميم، كلمة محمد تتوسط المحراب، وهذا الخط يذكرنا بخطوط المسلمين الأوائل، إبان البعثة الإسلامية وكتابة الرسائل النبوية.

تتوسط المحراب خمسة صحون خزفية، تنتظم أعلاها وثيقة خطية توضح اسم النقاش ومن تشارك معه في تنفيذه، وكغيره من المحاريب الهميمية، نجد أنه يرسم حول قلب المحراب دوائر حلقية، بعضها بارز وبعضها الآخر غائر إلى الداخل، لتشكل سلسلة من الحلقات المتلاحمة على جانبي المحراب وفي رأسه العلوي، تعطي شكل المستطيل المفتوح من أسفل.

دقة النقوش بحيث لا ترى إلا أذا اقترب منه الناظر، هي أكثر ما يميز المحراب، حيث لم يدع مجالا ولا لبضع سنتيمترات إلا وملأه بنقش هندسي يأتي على أشكال كثيرة، وفي الأسفل يبرز قلب المحراب غائر إلى الداخل، وهو من طبقة واحدة، عليه أقواس صغيرة، ليبدو الشكل من بعيد أشبه بقبة تحيط بها نوافذ وفتحات، يتسلل إليها ضوء النهار.

الصحون جميعها خرجت من مصنع واحد، ويبدو أنها ليست عمانية الصنع، لعلها تكون قد جلبت من الصين، وهذا واضح من شكل الرسومات الدقيقة في هذه الصحون الخزفية.

في داخل المسجد ساريتان تتوسطان المسجد لحمل السقف العالي، وقد تصميمها لتناسب موقع المحراب، فهو يتوسطهما لتكون الساريتين عن جهتي اليمين واليسار من المحراب.

وما يميز مسجد الشراة عن غيره من مساجد منح الأثرية، أن له محراب جصي صغير آخر منقوش في جدار صحن المسجد، الصحن يقع جهة الشرق، وتم تصميم المحراب ليكون مع المحراب الداخلي الكبير في خيط واحد، كما يتميز أنه له مدخلان، من جهتي الشمال والجنوب. وهذه التفاصيل تعطي للمعمار ميزة عن غيره، إلى جانب ذلك تظهر تصاميم لميازيب الماء، في الجدران، لتنقل ماء المطر في سواقي صغيرة إلى خارج المسجد، ويوجد مثيلا لها في البيوت المجاورة.

خلال مطلع الثمانينات الماضية، قام الأهالي بترميم المسجد، كما رمم من قبل مسجد العين، تم استخدام نفس الأدوات الصبغية التي استخدمت في مسجد العين، المحراب طلي بالأخضر الداكن من الألوان الزيتية، ومثلما لم ينس النقاش أن يضع لمسة زخرفية على الرف المجاور للمحراب من جهة الجنوب، لم ينس من وضع الطلاء الزيتي على المحراب، أن يصبغ الرف المجاور للمحراب، وصبغ خشب السقف بنفس الصبغة، ويبدو أنه ترميم مسجدي العين والشراة تم في نفس الفترة.