كلمة عمان

انعكاس للتاريخ الزاهي والمتصل

12 يونيو 2017
12 يونيو 2017

يأتي الاهتمام بكتاب الله تعالى وطباعته في مقدمة الاهتمامات الطيبة التي تصب في الإرث الروحي للأمة، في هذا العهد الزاهر، حيث بذلت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية دورا واضحا في هذا المجال، ولا يقتصر الأمر على مجرد الطباعة وإنما يتعدى ذلك إلى حلقات العلم القرآنية والمسابقات والجوائز المبذولة في هذا الباب، وحيث انه في هذا الشهر المبارك، شهر القرآن، يتعاظم التنافس بين المسلمين حول تلاوة كتاب الله وتعلمه وتدارس مواعظه وأحكامه وقيمه السمحة.

ولعل تدشين مصحف مسقط الإلكتروني أمس، يأتي متناسقا مع هذا الشهر الفضيل، ويصب في مجمل الاهتمام العميق بالذكر الحكيم، ومواكبته طباعة القرآن الكريم للتقنية والعصر الحديث، بما يسهل وصوله إلى الناس من حيث القراءة والمعاني وغيرها من الإفادات الجليلة التي تتحقق في هذا الجانب.

وقد سبقت النسخة الإلكترونية من المصحف، طباعة ونشر المصحف المخطوط وقد قامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية منذ تأسيسها بجهود طيبة ملموسة، كانت ثمرتها جلية في طباعة مصحف عمان سنة 2006 وذلك لأول مرة، هذا الجهد الذي يستمر اليوم ليواكب مستجدات العصر من حيث التقنيات التي تسمح بمساحة أوسع من التفاعل والسهولة في التعامل بما يحقق مزيدا من الفائدة العامة.

إن تدشين المصحف الإلكتروني في هذا الشهر بالتحديد، يحمل العديد من الدلالات العميقة فرمضان المبارك، هو شهر النفحات والعتق من النار وموسم الروحانيات الذي تستشرف فيه الأمة الإسلامية الخير والهداية وتراجع حاضرها لأجل مستقبل أفضل، يقوم على التقوى والصلاح والعمل الإيجابي الذي يعود بالخير على المجتمع.

وقد جاء المصحف الجديد فريدا من حيث المبتكرات والتقنيات الخطية والرسم وغيرها من المواصفات الفنية التي تجعله مرموقا وسامقا في مكانته، وكونه ثاني مصحف مصفوف من نوعه، كذلك فهو أول عمل تدخل به السلطنة الاتحاد الدولي للترميز «اليونكوك» لتكون الدولة العربية السبّاقة في هذا الاتحاد، وإن كانت الفائدة العظمى تتمثل في المساهمة في عمل جليل يكون عليه الثواب من عند الخالق بما يعود بالخيرات بإذن الله.

وثمة أبعاد أخرى لهذا العمل في تعليم النشء اللغة العربية وفق منهجية عصرية وجديدة، وهو تحد في هذا الزمن، بعد أن أصبحت اللغة العربية تعيش منافسة شرسة من قبل اللغات الأخرى، وتتطلب بالتالي عملا كبيرا لكي تحافظ على تطورها وقدرتها على مواكبة مستجدات الحياة.

والفخر بأن هذا المنجز عماني بحت، يضاف إلى سجل منجزات حضارية وإنسانية للعمانيين على مدى التاريخ، وهذا ليس بغريب على الديار التي عرفت الإسلام دون سيف وهي ترسل الوفود إلى مكة والمدينة وتناصر الدين الإسلامي منذ فجره الأول، وبالتالي فجهود اليوم هي انعكاس لذلك التاريخ الزاهي والمتصل ما بين الأمس واليوم.

وعسى أن يكون هذا العمل مسارا طيبا في إطار خدمة كتاب الله وتوصيله عبر مناهج متعددة ومتجددة تتيحها تقنيات هذا العصر، بما يفتح الآفاق والبصائر وينير الطريق إلى استلهام المعاني الغزيرة الكامنة في كتاب الله لتصبح مصباحا منيرا لحياة ملهمة وغنية بالثمرات والازدهار.

أخيرا فإن هذا العمل المهم يعتبر إضافة حقيقية وحضارية لاحتياجات المسلمين في جميع أنحاء العالم باسم عمان، وهو يوظف الفضاء الإلكتروني وآخر مستجدات عصرنا الحديث.