روضة الصائم

تفسير الصحابة - عمر بن الخطاب

12 يونيو 2017
12 يونيو 2017

د. سعيد بن سليمان الوائلي/ عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشريعة -

مر علينا أخي القارئ الكريم، أن الصحابة كانوا أعلم الناس بتفسير القرآن العظيم وفهم معانيه، وأنهم كانوا متفاوتين في درجات العلم بتفسيره ومعانيه، فلم يكونوا على درجة متساوية من حمل بيانه ومعانيه.

وإذا كان في مقدمة الصحابة علما بالتفسير وعلوم القرآن الكريم: الخلفاء الراشدون، فإن بعد أبي بكر الصديق يأتي عمر بن الخطاب الذي كان له من المواقف ما يشهد بدرجة علمه ورفعة درجته، فإذا كان للخليفة الأول آراؤه في التفسير، فإن للخليفة الثاني آراءه كذلك.

وقد جاء في بيان موافقات الوحي لكلام عمر الكثير من الأخبار، نقف عند بعضها، من ذلك ما جاء عن مجاهد قال: كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن، وأخرج ابن عساكر عن علي قال: إن في القرآن لرأيا من رأي عمر. وأخرج عن ابن عمر مرفوعاً: ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر. وأخرج الشيخان عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى). وقلت: يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت كذلك.

وأخرج مسلم عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث في الحجاب وفي أسارى بدر وفي مقام إبراهيم ففي هذا الحديث خصلة رابعة، وفي التهذيب للنووي: نزل القرآن بموافقته في أسرى بدر وفي الحجاب وفي مقام إبراهيم وفي تحريم الخمر فزاد خصلة خامسة، وحديثها في السنن ومستدرك الحاكم أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تحريمها.

وهذه المواقف العمرية تشهد لصاحبها بسداد الرأي، وطبعا تعدّ من المناقب التي تذكر لصاحبها في مواقف الثناء والفضيلة، ومع ذلك كانت مواقف التفسير للخليفة عمر الفاروق كثيرة، أكثر من صاحبه، نذكر طرفا منها كأمثلة ونماذج ندرك من خلالها طبيعة تفسير هذا الصحابي واهتمامه بالقرآن الكريم، فمن ذلك:

ما روي عن عمر بن الخطاب من عدم تخميس أرض الفيء، فلما طلب منه الصحابة الفاتحون أن يقسم الأرض المغنومة خمسة أخماس يعطيهم منها أربعة أجزاء ويأخذ الخمس الباقي يصرفه بحسب نص الآية: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، رفض ذلك ورأى أن يحبس الأرض بعلوجها أي على أهلها، ويضع عليهم فيها الخراج وفي رقابهم الجزية، فتكون فيئا للمسلمين والمقاتلة والذرية ولمن يأتي بعدهم، وقد أبان عمر بأنه وجد مستندا في ذلك من القرآن في قوله تعالى: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ) [الحشر: 7] وما بعدها من الآيات. وقد أراد بذلك أن يشترك المسلمون في المنفعة الحاصلة من أرض الفيء.

ومن آراء عمر فيما يتعلق بالتفسير: إثبات النفقة والسكنى للمطلقة طلاقا بائنا، استنادا لمثل قول الله تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ)، وقوله: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ)، وقد اختلفت آراء العلماء في ذلك هل يراد بهذا كل مطلقة رجعية أم غير رجعية.

ومن ذلك ما روي عَن أَنَس قَال: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (عَبَسَ وَتَوَلَّى) فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَة: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) قَال: عَرَفْنَا مَا الْفَاكِهَة، فَمَا الأَبّ؟ فَقَال: لَعَمْرُكَ يَا ابْنَ الْخَطَّاب إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّف. فتوقف عن القول في تفسير الأب، وعبر عن ذلك بما يفيد أن إدراكه ليس بمتعين، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ شَكْلَهُ وَجِنْسَهُ وَعينه وإلاّ فَهُو وكُلُّ من قَرَأ هَذه الآيَة يَعلم أَنَّه من نَبَات الأَرض لقوله: (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا).

ومن ذلك أيضا ما رواه من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن مشروعية صلاة السفر، حيث جاء عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَال: قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب: ليس عَلَيْكُم جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُم؟ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنه، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ«.

هذه مع جملة من الأخبار التي تروى عن ابن الخطاب في مواقفه وتعامله مع نصوص القرآن الكريم، فيكون منطلقه بحزم، ورؤيته بحكمة فذة، قد تدرك من أول وهلة، وقد ينبئ عنها الزمن بعد حين من إعلانها لأول مرة.