روضة الصائم

فضائل الصيام

12 يونيو 2017
12 يونيو 2017

د. محمد راتب النابلسي -

من فضائل الصوم أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهـــَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ»، ومن فضائل الصوم فرح الصائم بما يسَّره الله له من الصوم في العاجل والآجل كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قـَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» وهذا من الفرح المحمود، لأنه فرح بفضل الله ورحمته، ولعل فرحه بفطره لأن الله منَّ عليه بالهداية إلى الصيام، وبالإعانة عليه حتى أكمله، وبما أحله الله له من الطيبات التي يكسبها الصائمون لذة وحلاوة لا توجد في غيره، ويفرح عند لقاء ربه، حين يلقى الله راضياً عنه، ويجد جزاءه عنده كاملاً موفوراً.

ومما يدل على فضل الصيام، وطيب عاقبته في الآخرة حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»، وإنما كانت هذه الريح طيبة عند الله تعالى مع أنها كريهة في الدنيا، لأنها ناشئة عن طاعة، فهي محبوبة لديه، ولعل في الحديث الشريف ما يشير إلى أن هذا الخلوف يفوح يوم القيامة من فم صاحبه أطيب من ريح المسك، حين يقف بين يدي ربه، مثله مثل الشهيد حين يأتي يوم القيامة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِن ْمَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ».

ومن فضائل الصيام أن الله اختص أهله باباً من أبواب الجنة لا يدخل منه سواهم فينادون منه يوم القيامة إكراماً لهم، وإظهاراً لشرفهم، كما في الصحيحين عَنْ سَهْلٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». وشهر رمضان شهر الصبر، فالبناء الأخلاقي أساسه الصبر، الذي هو قرين الصوم وسميه، حتى سمي الصوم صبراً، كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) قالوا: الصوم والصلاة، وسمي رمضان شهر الصبر، والصبر جزاءه الجنة، وهو سيد أخلاق الإسلام، وبغيره لا يثبت المسلم أمام التحديات في دينه ودعوته، ولا يتحمل مشكلات الحياة وتبعتها ومصائبها التي لا ينفك عنها بحال، فالفوز في الآخرة والسعادة في الدنيا ثمرتان من ثمار الصبر. والصبر هو إكسير الحياة الذي يحوّل بإذن ربه الصعاب إلى رغائب، والهموم إلى أفراح، الصبر هو علاج كل داء، وحل كل مشكلة، وتذليل كل عقبة. والصوم عبادة يشترك فيها المسلمون في كل مكان مما يعمق معنى الإخاء الديني: ويتجلى البناء الأخلاقي في الرقي بالنفس إلى مدارج العبودية، والتخفف من أوزار الطين وثقل الأرض، لتستشرف النفس آفاق الإيمان، وتستشعر شيئاً من الأنس بالقرب من فاطرها وبارئها، وتسبح في ملكوتها. فالإنسان إنسان بروحه وشفافيته قبل أن يكون إنساناً بجسده.