1034281
1034281
المنوعات

سعيد الكفراوي يتذكر: فانوس جدي

11 يونيو 2017
11 يونيو 2017

القاهرة ـ حسن عوض -

في قصته «غجر طاقة القدر» يصوِّر الكاتب المصري الكبير سعيد الكفراوي رحلة غلام وأصدقائه، حيث قرروا فجأة الذهاب إلى مكان الغجر، ليروا ماذا يفعلون في رمضان، وتحديداً في ليلة القدر.

الغلام «عبدالمولى» كان يحمل فانوساً يضيء لهم الغيطان، إلا أن اللمبة انطفأت فجأة وتركتهم في الظلام، وهكذا قرروا العودة بينما أصرَّ هو على مواصلة طريقه باتجاه الغجر. شاهدهم بالفعل، ورأى طقوسهم، الرقص، والكي بالنار، طقوس في معظمها أقرب إلى الوثنية، ثم عرف الغجر أن الصبي موجود بينهم، وهكذا أمسكوا به، وكبيرهم فتح بطنه وصدره وأخرج قلبه وغسله بماء الورد.

يقول الكفراوي إنه كتب أكثر من قصة تستلهم روحها من أجواء رمضان، ولكن بالنسبة إليه فإن ذلك الشهر اختلف جذرياً. لم يعد هناك شعور كبير بطقوسه القديمة.

يتذكر: «ونحن صغار عشناه في بلادنا بكل طقوسه المعروفة والموروثة. كانت تلك الطقوس مصدر سعادة لنا، خصوصاً إذا كان الأمر يقترن دائماً باجتماع العائلة، ووجودك في مكان معين شهد ميلادك».

ويضيف:«يوم استطلاع هلال رمضان (الرؤية) ولسنوات طويلة جداً كان أهل المهن يجتمعون في قريتي المجاورة لمدينة المحلة، كان الميكانيكية يحضرون عربات، كما كان البعض يحضر عربات تجرها الخيول، وكل واحد يعرض بضاعته، كما كنا نستمع إلى الأناشيد الصوفية، بكل ألوانها، الحامدية، الشاذلية وغيرهما. كنا نقف على الأرصفة لنراقب ما يجري أمامنا».

يرتبط ذلك الشهر في ذهنه أيضاً بالمدفع: «علاقتي به باقية وواضحة ولا تغيب. أتذكر أنه في كل مدينة كان هناك مدفع من آثار محمد علي، يدوِّي الصوت لحظة الإفطار حيث يضرب كرة من القماش مختلطة بقليل من البارود. ذلك المدفع كان من الأمور الأساسية. جدي كان يشتري لي فانوساً كل عام، كان به لمبة صفيح مرتبطة بفتيل مغموس في جاز. هذا الفانوس شبيه بما كتبت عنه في قصة: غجر طاقة القدر.

ويواصل: «أتذكر المدينة جيداً يوم العيد حيث كنا نذهب إليها للاستمتاع، مرتدين الجلاليب الجديدة، ومددجين بالأموال التي نحصل عيها من أقربائنا كعيديات.

كنا نستقل عربة يجرها حصان إلى مركز المحلة حيث دار السينما في ذلك الزمن البعيد، زمن الأربعينات. الآن اختلطت الصور وأصبحت تشبه سيركاً، لا تستطيع أبداً أن تستخرج مما يجري مظهراً حقيقياً لرمضان، حتى لو ذهبت إلى الأماكن الساحرة في الجمالية على سبيل المثال ستجد أنك بعيد كل البعد عن رمضان كما عرفناه قديماً.. صحيح أن هناك بشراً كثيرين يصنعون زحاماً رهيباً ولكن تشعر أنهم يسيرون بلا هدف، ليس هناك رابط بينهم، لا تعرف فيما يفكرون، إنهم حتى لا يبدون مستمتعين بالأغاني التي تنطلق حولهم، لا رابط بينهم وبين المكان الذي يجلسون أو يسيرون فيه. لقد اختفت روح رمضان إلى حد كبير، مع الأسف الشديد».

ولد الكفراوي في قرية كفر حجازي بالمحلة الكبرى سنة 1942، وبدأ كتابة القصة القصيرة من الستينات، لكن أولى مجموعاته القصصية لم تُنشر إلا في الثمانييات، وربما لهذا السبب لم يحسبه الستينيون عليهم.

وقد أصدر عدداً كبيراً من المجموعات القصصية، منها «مدينة الموت الجميل، ستر العورة، سدرة المنتهى، مجرى العيون، دوائر من حنين، كُشك الموسيقى، يا قلب مين يشتريك، البغدادية، زبيدة والوحش، وهي مختارات قصصية، تضم ست مجموعات قصصية له».

وقد انتهى الكفراوي منذ فترة من كتابة عمل جديد له، بعنوان «عشرين (قمر) في حجر الغلام». آثر أن يكتبها «قمر» لا «قمراً»، لأنه يريد نقل إحساس الجملة العامية. المجموعة كما قال عن صبي يتعرف على عالم القرية، وبالتالي يمكن للقراء أنفسهم ملاحظة ورصد حالة الدهشة الأولى على وجه الصبي وهو يتعرف على الأشياء من حوله.