hamda
hamda
أعمدة

بنات

11 يونيو 2017
11 يونيو 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

منذ أن كبرت طفلتي وأنا ألاحظ وكل المحيطين بي بأنها بدأت تسحب البساط من تحتي شيئا فشيئا، في عملية تبادل أدوار غريبة تمارسها معي، لا أعرف في الحقيقة متى وكيف عينت هذه الشابة نفسها (أماً) لي وتبادلت الأدوار معي وفرضت وصايتها علي، وكيف سمحت أنا بذلك، واستسلمت لسلطتها بكل خضوع، لعله هذا الحنان المفرط الذي تمارسه هذه الشابة علي هو الذي شل حركتي عن المقاومة، وجعلني أخضع لسلطتها بهذا الاستسلام الغريب كثيرا عن شخصيتي القيادية القوية، باتت (بشاير) تتحكم فيما ألبس، وما آكل وكيف أتصرف مع الآخرين، تستخدم أسلوب التحفيز والتشجيع معي كثيرا، أما إذا فشل هذا الأسلوب فهي لا تمانع من استخدام الحزم، تختار لي الطعام الذي آكل للمحافظة على رشاقتي وصحتي كما تدعي، والملابس التي تناسب سني ومكانتي، كما يحلو لها أن تقول، حتى عطوراتي بات لها رأي فيها وأنا التي لا استسيغ إلا روائح بذاتها، لا أنكر بأن هذه الصغيرة ساهمت إيجابيا بشكل كبير في إعادة تشكيل جوانب من شخصيتي، فهي تذكرني على الدوام بالسلوكيات التي لا (تليق بي) والعادات التي لم تعد (تناسبني)، كل هذا وأنا والمحيطين بي نلاحظ بأن هذه الشابة باتت صورة طبق الأصل مني، فهي تشبهني بشكل مخيف، حتى الأمور التي كانت دائما تشكل نقاط اختلاف بيننا، باتت هي ذاتها تمارسها، كالقراءة التي كانت تنفر منها، وشكلت لي ولها عقدة في طفولتها، اكتشفتها عدة مرات وهي تختلس النظر إلى رفوف مكتبتي، وأصبحت ألاحظ بأن (الكومودينو) بجانب سريرها نادرا ما يخلو من كتاب، وغالبا ما يكون مصدره مكتبتي، أصبحت تلتهم كتب التنمية البشرية، وتمارس التأثير على الآخرين، الذين هم أيضا يستسلمون لها بشكل عجيب، حتى كتاباتي لم تسلم من تأثير بشاير عليها، فأنا أضعها وأقرانها نصب عيني في كل ما تخطه يدي بدءا من (تغريدة) وانتهاء بمقالي الأسبوعي، خشية أن يكون ما أكتب مصدر ألم أو خجل لهذه الصغيرة أمام قرائي، وخوفا من أن يكون لما أكتب تأثيرا سلبيا على شاب أو فتاة، فهي تذكرني على الدوام بأن ما أكتب سيبقى لسنوات طويلة قادمة بعد انتهاء وجودي على هذا الكوكب، وأن ما أكتب لا يقرأه متصفحو الجريدة في عمان فقط بل هو ينتشر إلى أرجاء المعمورة في لحظات، ويستمر في الانتشار والتأثير على أعداد متنامية كل يوم، أشعر أحيانا بأن تدقيقها في عيوبي ما هو إلا وسيلة لإصلاح هذه العيوب فيها هي، وللأمانة فإن أسلوبها الأمومي هذا يروق لي كثيرا، فهي الضمير الحي الذي يذكرني على الدوام عندما أحيد.