1032541
1032541
روضة الصائم

روائع المساجـد الأثريـة العـمانية: مسجد العالي بمنح .. خمسة قرون على تصميم محرابه مزين بصحن خزفي ينتمي لتلك الفترة

11 يونيو 2017
11 يونيو 2017

محمد بن سليمان الحضرمي -

لكلمة العالي معاني العلو والسمو والارتفاع، وفي الاصطلاح المحلي تعني جهة الشمال، فنحن لا نقول شمالا، وإنما علوى من العلو، ولا نقول جنوبا وإنما حدرى، من الانحدار، وهذين المصطلحين نشآ من فعل مسار الماء، سواء أكان للأودية أو مياه الأفلاج، فحركة الماء تسير دائما من المنطقة المرتفعة أو العالية أو المكان العالي، إلى المنطقة المنحدرة أو المنخفضة أو السافلة كما في بعض التسميات، ومن هذه المصطلحات ظهرت تسميات (العلاية والسفالة).

وخلال الأيام الثلاثة القادمة بدءا من اليوم، سوف نخصص هذه الصفحة لتستطلع ثلاث مساجد قديمة تقع داخل حارة البلاد الأثرية بولاية منح، وهي مساجد: (العالي والعين والشراة)، يجمعها المكان الواحد داخل حارة البلاد، ويبعد كل مسجد عن الآخر مسافة أمتار معدودة، وهي جميعا تنتظم في مسار واحد، حيث تقع جهة الشرق من الحارة.

ويجمع محاريبها الثلاثة صانع واحد، وهو الفنان المبدع: عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي، الذي توقفنا عند عملين سابقين له، هما محراب جامع بهلا ومسجد الشرجة بنزوى، واليوم سنقف عند منحوتته الجصية في مسجد العالي بمنح، وغدا وبعد غد في مسجد العين والشراة.

بعد بضع خطوات من مدخل الحارة يأتي مسجد العالي، بني على مصطبة عالية الارتفاع، المدخل المؤدي إليه مزين بأقواس يبلغ عددها سبعة أقواس، لها أشكال هلالية، وعن يمين المدخل توجد أحواض سباحة واغتسال ومواضيء، ويتم جلب الماء من البئر.

له بابان من جهة الجنوب، يفضي الزائر له على صرح مفتوح، ثم بابان ينفتحان على الصرح الداخلي، يبدو المسجد من الداخل بمساحة صغيرة، تتوسطه سارية صغيرة وحيدة تقع قبالة المحراب، وكغيره من المساجد يوجد درج خشبي يربط بين الجدارين الجنوبي والشرقي ليفضي إلى قبة البومة التي ابتدعها المهندسون القدامى عوضا عن المئذنة.

أقف عند هذه المحراب الأنيق، صممه الهميمي مطلع القرن العاشر/‏ السادس عشر الميلادي، عام 909هـ/‏ 1503م وساعده في إنجاز هذه التحفة كل من: عبدالله بن وهب بن أحمدـ وأحمد بن سليمان، وحسن بن سليمان بن القاسم، وأتذكر خمسة قرون التمعت نجوم لياليها في سماء الحارة، فهنا عاش الناس منذ القرن العاشر الهجري، وأسبح بنظري إلى خارج المسجد، فأرى مدينة جميلة سكنها الناس قبلنا بخمسة قرون، بيوت متقابلة وأزقة تتفرع عن أزقة أخرى، أغلب البيوت فيها تتألف من دورين وبعضها من ثلاثة، تم ترميم الجزء الأكبر منها، ومن بينها ترميم مسجد العالي والمسجدين الآخرين.

وأمعن النظر في المحراب، فيتبدى في الوسط صحن خزفي، إلى جانب تجاويف لصحون أخرى ضاعت أو تكسرت، أو تم العبث بها خلال السنوات الماضية، ولم يبق منها إلا واحدا، وأقرأ في صدر المحراب جملة التوحيد: (لا إله إلا الله.. محمد رسول الله) نحتت بخط كوفي، أخذت النصف العلوي من المحراب، ثم أسماء من تشارك مع الهميمي في النقش، حفرت أسماؤهم بخط صغير في الجانب العلوي منه بمحاذاة جملة التوحيد.