abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش... ومتون: «زهراء القصر».. قراءة الماضي دراميا

10 يونيو 2017
10 يونيو 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

في كتابه المسرحي« زهراء القصر» يقف الكاتب سمير العريمي عند عتبتين من عتبات التاريخ العماني، مستوحيا منهما مادة درامية لنصين هما ( زهراء سقطرى)، و(قصر جبرين)، وفي كلا النصين أكد أن ما كتب « ليس توثيقا تاريخيا للأحداث بل عملا فنيا يمتزج فيه الواقع التاريخي بخيال الكاتب» كما جاء في مقدمة (قصر جبرين)، وقد ذكر المراجع موثقا لعمله، ولم يتنكر لاشتغال المخيلة، ولم يدّع في (زهراء سقطرى) التوثيق «للحدث المعروف عن نجدة الإمام الصلت بن مالك الخروصي لجزيرة سقطرى.. بقدر مقاربتها لتلك الواقعة فنيا بالاتكاء على عنصر الخيال المسرحي وإسقاطاته المتعددة الأوجه على واقعنا العربي المعاصر»، فلم يبتعد كثيرا عن التاريخ، ولم يطلق العنان للمخيلة، بل حاول إمساك العصا من المنتصف، ومن البديهي أن قراءة مثل هذه النصوص يجب أن تكون على عدة مستويات: الحدث التاريخي، و الرمزي، و الحدث الحاضر بما تحمله من دلالات وإسقاطات على الواقع الراهن.

وقد سبق لي أن شاهدت (زهراء سقطرى) مجسدا على قاعة مسرح الشباب وكان من إخراج د.عبدالكريم جواد وأداء مجموعة كبيرة من الفنانين جسّدوا النص المستند على واقعة تاريخية تتمثّل بهجوم الأحباش على (سقطرى) عندما كانت تابعة لعمان، وقتلهم الوالي العماني واستباحتهم حرمات أهلها، ولم تجد مقاومتهم نفعا، فاستعانت الشاعرة (الزهراء) بالإمام الصلت بن مالك الخروصي مستغيثة بقصيدة حين سمعها أرسل أسطولا من ثمانين سفينة فحاصر الجزيرة، وأنزل الهزيمة بالمعتدين، وبالطبع أدخل الكاتب خطوطا عديدة لتقوية الفعل الدرامي في الواقعة التاريخية مصورا الحياة اليومية في (سقطرى) وما كانت عليه قبل غزو الأحباش من جانب، وما كان يدور في قصر الإمام العادل الصلت الذي حقق لشعبه الأمن والاستقرار، (فالملثمون) يمثلون خط المقاومة الشعبية ذات الحس الوطني الفطري، كبدوا الأحباش خسائر فادحة، وزعزعوا وجودهم وأقلقوا قادتهم، حتى وقعت (الزهراء)، حسب رؤية المؤلف، في أيدي الأحباش وجرت محاكمتها أمام أهل الجزيرة بحضور والدها وبدلا من الحكم عليها بالإعدام عرض عليها قائد الأحباش الزواج منها، فما كان من الزهراء إلا أن بصقت في وجهه، فصفعها، وهنا أطلقت صرخة مدوية( واصلتاه) لتسعى الى الأدهان مدوية المرأة العربية التي اعتدى عليها جندي من جنود الروم في (دمشق) زمن الخليفة العباسي المعتصم فصرخت وامعتصماه!!فجاءها بجيش جرار ملبيا نداءها، فالقصيدة التي أنشدتها (الزهراء) كانت معادلا للصرخة وشظية رمزية ربطت حدثين في مشهد واحد تعددت فيه الدلالات.

وقد حرص العريمي في النص الثاني ( قصر جبرين) على وضع عنوان ثانوي هو (مأساة بلعرب بن سلطان) ليضعنا في قلب (تراجيديا) دونها التاريخ العماني كان مسرحها (قصر جبرين).

وقد لجأ الكاتب إلى البناء الدائري، فبدأ مسرحيته بمشهد احتضار الإمام بلعرب مردّدا:

أتعبت نفسي في عمارة منزلي

زينته وجعلته لي مسكنا

حتى وقفت على القبور فقال لي

عقلي ستنقل من هناك إلى هنا

وتنتهي المسرحية بالمشهد ذاته، وبين المشهدين تتحرّك حركة النص عند الانتهاء من بناء القصر، وابتهاج الإمام به، وثناء الشعراء على القصر، وبنائه العظيم، ما احتواه من روائع، وفي الجانب الآخر يسلط الكاتب الضوء على الذي يدور خارج القصر من تذمر شقيق الإمام سيف الذي يرفض اتفاقية السلام مع البرتغاليين التي أبرمها الإمام، وفتح وكالة تجاريّة في مسقط، منتقدا نهجه السلمي، وانصرافه إلى العلم والعمران، والأدب، ويستاء البعض لانتقال الإمام للعيش من نزوى إلى قصر جبرين، ويصل الاستياء إلى قيام شقيقه سيف بشق عصا الطاعة ونقضه البيعة، والخروج عليه بجيش، ومحاصرته في قصره، فيتألم الإمام لما جرى فيصلي داعيا الله أن يقبض روحه إن كان في ذلك حقنا للدماء، وبعد حين يسلم الروح، ويدفن داخل القصر، وسوى هذا الحدث توجد خطوط أخرى كخط زوجة الإمام (مثلى) التي تظهر بالمشاهد: الثالث، و الخامس والسابع، وتموت بعد وضع ولده (يعرب)، لتتوالى عليه المصائب، وهي شخصية متخيلة، وقد أدرج اسمها ضمن قائمة بالشخصيات المتخيلة فيما وضع قائمة بالشخصيات التاريخية، التي من بينها شخصية الشاعر راشد بن خميس الضرير الذي رباه الإمام وعلمه، فيحفظ له الود، ويقول فيه الأشعار، كما نرى في المشهد الثالث، وراجح المجنون، وهو الشيء نفسه الذي فعله في مسرحية (زهراء سقطرى).

النصّان محاولة جادة للاستفادة من أحداث الماضي، وتوظيفها على المسرح، للاستفادة مما فيها من دروس، وعبر.