1033197
1033197
تحقيقات

طلبـة مؤسسـات التعليـم الخاصـة بين قلق الرسـوم الدراسيـة وشبـح الهـروب وفقد الطمـوح

10 يونيو 2017
10 يونيو 2017

1033195

التسهيلات غير متاحة لطلبة النفقة الخاصة والتأخر في الدفع يقود إلى الحرمان من الاختبارات -

تحقيق- محمد الصبحي -

يعاني مجموعة من طلبة مؤسسات التعليم الخاصة من قلق الرسوم الدراسية المبالغ فيها وشبح الهروب من الدراسة وفقدان آمال وطموح الحياة العلمية، وذلك بحسب تحقيق أجرته «عمان» على مجموعة من الطلبة والأكاديميين ورجال الأعمال وعدد من المسؤولين والمختصين.

وتطرق التحقيق إلى بيان حجم الرسوم الدراسية المفروضة من الجامعات والكليات، وناقش أسباب توجه الطلبة للدراسة في الجامعات والكليات الخاصة سواء في داخل أو خارج السلطنة، وعرج التحقيق إلى الأبعاد الاجتماعية والدينية والاقتصادية للظاهرة التي باتت تؤرق العديد من أولياء الأمور والطلبة أنفسهم، ومدى تأثيرها على نفسية الطالب.

فقد أشارت آثار بنت عبدالله أمبوسعيدية طالب بجامعة نزوى إلى أن الجامعة بشكل عام يجب أن تراعي الطلبة ذوي الدخل المحدود، وتعمل على إيجاد حلول للطلبة المعسرين.»

وأضافت أمبوسعيدية «أنها توجهت للدراسة على حسابيها الخاص حباً للعلم»، مشيرةً إلى أن أسعار الدراسة المبالغ فيها حاليا قد تحول دون الاستمرار في الدراسة.

من جهته قال علي بن خليفة السعيدي ‏طالب مبتعث خارج عمان: «الدراسة في الخارج تكسب الطالب خبرة جديدة في الحياة من خلال تعامله مع مختلف الناس الذين يلتقي بهم ويحاورهم بطرق مختلفة ويكتسب المتعلم ثقافة جديدة فيتطور تدريجيا بالإضافة إلى أن المسؤولية تكون كبيرة.»

‏وأضاف السعيدي «أكبر التحديات التي نواجهها صعوبة التعايش في تلك المجتمعات غير العربية، والانبهار الحضاري ومقارنتها بالدولة الأم، وصعوبة إيجاد اللغة الجديدة.»

من جهتها أوضحت شيخة بنت محمد القطيطية ‏طالبة بجامعة صحار أنها توجهت للدراسة في جامعة صحار، وذلك لعدم قبولها في تخصص لدى جامعة حكومية أو ممولة من الحكومة كانت تريد أن تمتهنه وبالتالي توجهت إلى الدراسة في الجامعة الخاصة.

وأكدت القطيطية أن أسعار الدراسة في الجامعة مبالغ فيها بشكل كبير ففي بعض التخصصات بالأخص الهندسة والقانون يصل دراسة مقرر واحد 1500 ريال عماني.

‏ حلم الطفولة

‏من جهته قال ‏أحمد بن سعيد الحوسني «‏حلم الطفولة كان التوجه للدراسة في احدى الدول الغربية وذلك لاكتساب الخبرات والتعرف على الثقافات الأخرى، وكانت هناك فروقات في أسعار الدراسة، حيث إن أسعار الدراسة في السلطنة أقل بكثير من الدراسة في الخارج.»

تخصص غير مرغوب

وقالت أنوار بنت راشد السعيدية من جامعة صحار «الدافع الذي أجبرني على الدراسة على نفقتي الخاصة رغم قبولي في تخصص غير مرغوب بجامعة حكومية، ولأن التخصص الذي أريده غير متاح إلا على النفقة الخاصة في الجامعات الخاصة، اضطررت إلى التوجه إلى جامعة صحار.»

وقالت السعيدية: «التسهيلات غير متاحة لطلاب النفقة الخاصة، وصعوبة التسجيل في الفترة المحددة، والتأخر في دفع المستحقات المالية قد يؤدي بك لعدم دخول الاختبار بالتالي الحرمان من المواد رغم دراستها.»

وأكدت أن الأسعار مبالغ فيها بحيث يصل المقرر الواحد الى 260 ريالا عمانيا إي ما يقارب 1300 ريال لكل فصل أكاديمي، رغم أن بعض المواد لا تحتاج مختبرات أو معارض فنية.

قوانين صارمة

من جانبه قال علي بن مسلم الغيلاني ولي أمر طالب: إن هناك أسبابا عديدة لتوجه ابنه للدراسة في الخارج على النفقة الخاصة، ومنها صعوبة القوانين في جامعات وكليات السلطنة الحكومية والخاصة، وأن الرسوم الدراسية تختلف من دولة إلى أخرى، ومن تخصص إلى آخر، مثلا المملكة الأردنية الهاشمية تكاليف الدراسة فيها مقارنة بالسلطنة أقل بكثير وهناك فروق شاسعة في الأسعار.

وأضاف الغيلاني أن الدراسة في الخارج لها طابعها الخاص كون الطالب في الخارج يأخذ حريته الشخصية بالكامل، ويكون بعيدا عن القيم والمبادئ التي نشأ عليها، ومن الصعوبات التي تواجهه في الخارج عدم الأمان قليلا مقارنة بالسلطنة، والانخراط في ملهيات الحياة، وذلك بسبب بعد أولياء الأمور عنهم.

من جهته قال عمر بن سليم بن علي برياء ولي أمر طالب: إن ابنه توجه للدراسة في الخارج، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الدراسة في السلطنة، وكون الطالب لم يحصل على مقعد حكومي، مشيراً إلى أن هناك فرقا كبيرا في الرسوم الدراسية بين كليات وجامعات السلطنة، وكليات تدرس التخصص نفسه في دول مجاورة.

جهة غير مسؤولة

وللإجابة على ردود وأطروحات الطلبة، التقت «عمان» جوخة بنت عبدالله الشكيلية المديرة العامة للجامعات والكليات الخاصة بوزارة التعليم العالي، وأكدت أن مؤسسات التعليم الخاص تقوم بتحديد رسومها الدراسية معتمدة على عدد من العوامل، منها: نوعية التخصصات المطروحة والارتباط الأكاديمي وإجراءات ضمان الجودة التي تتبعها الجهة الشريكة، بالإضافة إلى جنسيات أعضاء الهيئة الأكاديمية وكفاءتهم وكذلك نوعية الخدمات والتجهيزات والمباني والمختبرات وغيرها من الخدمات التي توفرها المؤسسة، موضحةً أن دور الوزارة يتمثل بحسب ما حددته اللائحة التنظيمية في مراقبة عملية رفع الرسوم الدراسية للبرامج الأكاديمية بعد الترخيص، حيث يتوجب على المؤسسة أن تتقدم بطلب الموافقة على رفع الرسوم الدراسية إلى الوزارة وأن تدعم طلبها بالمبررات التي توضح الأسباب الداعية لرفع الرسوم وتتم دراسة الطلب وبعدها يتم الرد على المؤسسة بالموافقة أو عدمه، وتبنى موافقة الوزارة على عدد من الاعتبارات والمبررات من بينها الأداء العام للمؤسسة وفق التقارير المعتمدة من قبل الوزارة وجهة الارتباط، ونسبة التضخم المالي العام، والاستحداثات التي قامت بها المؤسسة من مرافق ومصادر تعلم وتجهيزات، وقامت الوزارة بعمل دراسة مقارنة بين متوسط الرسوم الدراسية لعدد من البرامج المطروحة بمؤسسات التعليم العالي الخاصة (كالبرامج الطبية وبرامج الهندسة) مع رسوم البرامج المماثلة في عدد من الدول الشقيقة والمجاورة وقد خلصت الدراسة إلى أن الرسوم الدراسية منطقية وأقل من مثيلاتها في الدول التي تناولتها الدراسة.

عــــــــزوف

من جانبه قال هلال بن علي بن عزان الحضرمي رئيس لجنة التعليم بغرفة تجارة وصناعة عُمان: «إن مسألة عزوف بعض الطلبة عن الدراسة في الجامعات والكليات الخاصة بسبب ارتفاع رسومها الدراسية وعدم قبولهم في الجامعات الحكومية قد يكون مبرراً حيث إن الكثير من الطلبة لا يتمكنون من دفع هذه الرسوم لتدني دخل أسرهم.»

وأضاف الحضرمي: وإن كانت الرسوم الجامعية بشكل عام في السلطنة في إطار المعقول ومن وجهة نظري لا توجد حلول جذرية لهذه الإشكالية ولكن أنصح بأن يتوجه الشباب الى مراكز ومعاهد التدريب المهني التي حولت مؤخرا إلى كليات حيث إن سوق العمل المحلية والإقليمية تحتاج إلى قوى عامله ماهرة وبالتالي يمكن للشاب الذي ينخرط في سوق العمل بعد انتهاء الدراسة المهنية أن يواصل دراسته بعد أن يحسن من وضعه المالي.»

وأشار الحضرمي إلى أنه يمكن كذلك الاستفادة من البرامج الوطنية المتاحة في مجالات التدريب كالبرنامج الذي تقدمه وزارة القوى العاملة والمعروف بالتدريب المقرون بالعمل وغيرها من البرامج.

وقال «بالنسبة لقطاع التعليم الجامعي الخاص فإن دوره مهم جدا في تقديم خدمات تعليمية وتدريب الشباب وتأهيلهم للعمل في كافة القطاعات والمجالات في داخل السلطنة وخارجها ولهذه المؤسسات دور مهم في البحوث العلمية والتطبيقية والاستشارات والتدريب في مجال ريادة الأعمال وكذلك غرس القيم الوطنية السامية، عموما قطاع التعليم الخاص يقوم بدور كبير في تحريك عجلة التنمية ويسهم في التنمية الاقتصادية، ولو نظرنا نظرة موضوعية إلى كيفية تشغيل المرافق في الكليات والجامعات نرى أن هذه المؤسسات توفر السكن والمطعم والخدمات الضرورية والترفيهية لعشرات الآلاف من الطلبة وبالتالي هناك تدوير لرأس المال بطريقة غير مباشرة.»

خفض التكاليف

من جهته أكد حمود الصوافي إمام وخطيب ضرورة خفض التكاليف الباهظة في المؤسسات التعليمية الخاصة، ولم يأت الإسلام بكلمة اقرأ اعتباطيا أو عشوائيا دون دلالة أو قصد بل أراد أن يحيي الأمة بالعلم ويجعلها في مصاف الدول المتحضرة تسهم في صنع الأمجاد وانتشال الناس من جور الحكام إلى عدل الإسلام ومن الظلمات إلى النور، قال تعالى: «الـر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)»[إبراهيم/‏‏‏1].

وأشار الصوافي إلى ورود كلمة «قوة» نكرة لتوحي بأي قوة تعين على تحقيق الردع، والانتصار على الأعداء، ورفع قيمنا تتوجب أن نستدعيها ولا شك أن العلم هو أقوى سلاح يمكن أن يردع المتربصين بالأمة، المحاولين انهاكها أو تحوير اتجاهها نحو العبث أو الضياع.

وقال الصوافي: «إذا كان العلم وقيمته يبلغان هذا الشأن ويجعلان من الأمة قوة لا تساوم وصخرة لا تنافس فجدير بالحكومات والشركات والأفراد أن يقفوا جنبا إلى جنب في سبيل تعليم الأبناء وتوفير سبل الراحة لهم والتخفيف من الأعباء التي قد تقع على عواهلهم من جراء التعليم الباهظ الثمن سيما التعليم الخاص لأن التعليم في المدارس، أو الجامعات الخاصة أو التعليم العالي يستلزم أن يتحمل الطالب المبلغ كاملا أو جزئيا وربما يكون هذا الطالب فقيرا أو محتاجا لا يستطيع دفع رسوم الدراسة وحده، أو لا يقدر على التوفيق بين دراسته والتحاقه بسوق العمل في آن واحد فيا حبذا لو تخفف هذه المؤسسات التعليمية من أعباء الطلاب وتقدم لهم التسهيلات في سبيل تفوقهم وتميزهم ونشر ثقافة التعليم في البلد أو تضع حوافز مختلفة لدخول الطالب إلى المؤسسة فتستثني مثلا أصحاب الضمان الاجتماعي وأصحاب الدخل المحدود أو أصحاب النسب العالية من الفقراء، وتحاول أن تنقص المبلغ في حالة التحاق أكثر من ابن أو أخ في مؤسسة واحدة أو تعفيه من الرسوم في حالة تفوقه وتميزه لتصير الجامعة عونا في رفد حركة التعليم من جانبين، الأول مساهمتها في نشر التعليم بفتح هذه الصروح الكبيرة، والآخر إعانتها للفقراء والمحتاجين على مجاوزة العقبات التي تقف حائلا بينهم وبين دراستهم.»

تكاتف وتكافل

وأكد على المواطنين أن يتكاتفوا مع المؤسسات والحكومة لإحياء التعليم المجاني والمساهمة في رفد حركة التعليم سيما التجار، والأغنياء وأصحاب الأموال فليخصصوا مقاعد للطلاب المتعطشين للمعرفة والاستفادة وليعطفوا على الفقراء في سبيل شيوع التعليم لكل فئات المجتمع ومختلف الشرائح وجميع التخصصات سواء كان في مجال التعليم الأكاديمي أو في مجال إنشاء البحوث التي تهم المجتمع وتسهم في رفع كفاءة سوق العمل والارتقاء بالوطن في جميع المجالات، وهذه المساهمة لم تكن على سبيل الاستحباب فحسب بل قد تصل أحيانا إلى الوجوب لأننا كأمة مطالبون أن نبذل ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونحقق التكامل والتعاون في مجتمعاتنا، وإذا كان هذا التعاون لا يتم إلا بطرائق وشرائط معينة، فإن هذه الطرائق والشرائط تلزمنا جميعا، قال تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»[المائدة/‏‏‏2].»

من جهته قال الدكتور زهران بن سالم الصلتي مدير مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة السلطان قابوس أن رسوم الدراسية في أغلب مؤسسات التعليم العالي الخاصة ما زالت مكلفة بعض الشيء بالرغم من الدعم الحكومي المستمر لهذه المؤسسات.

وأضاف «بالتعليم تبنى الأمم وترقى المجتمعات، والطالب المتعلم يستطيع أن يطور مهاراته ويرتقي بتفكيره وسلوكه ويساهم في بناء وطنه، كما أن جودة التعليم أمر مهم لا يجوز أن يستهان به، والتعليم خدمة يجب أن تكون ذات جودة عالية، بطبيعة الحال الخدمة الجيدة عادة مكلفة لأنها تحتاج إلى موارد عديدة لتقديمها بطريقة راقية.

وأشار إلى أن الأسعار يجب أن تكون في متناول الشريحة الكبيرة من المجتمع بحيث ينال العدد الكبير منهم من لديه الكفاءة الفرصة المناسبة للتعليم وبالتالي المساهمة في بناء الوطن، وتحديد الأسعار له معاير مختلفة ولكن أغلبها يرتكز على كفاءة الكادر الأكاديمي في المؤسسة وتوفر الخدمات الضرورية والمناسبة ومصادر وتقنيات التعليم الحديثة والمتقدمة.