أفكار وآراء

المدنيون ضحايا الحروب .. ظاهرة خطيرة بلا نهاية

10 يونيو 2017
10 يونيو 2017

علاء الدين يوسف -

التعاطي والازدواجية في الكثير من القضايا، أثمرا الكثير من الكراهية غير المبررة في بعض الأحيان، ومنها الإرهاب المرفوض الذي تعاني منه الإنسانية، لذلك وجب البحث عن أفضل الخطوات لوقف هذا الإرهاب واستئصاله.

لا يكاد يمر يوم حتى نسمع أخبارا جديدة،أصبحت مألوفة على وجه التقريب عن سقوط عشرات وربما مئات الضحايا من المدنيين الأبرياء في مناطق الحروب والصراعات المسلحة،والظاهرة ليست جديدة بالقطع حيث يسقط المدنيون بين قتيل وجريح في الحروب منذ عشرات السنين ولكن المؤلم فيها أنها تحولت إلى ظاهرة مستمرة ومتصاعدة بلا أي أفق أو حتى محاولات جادة لتجنبها أو للحد منها على أقل تقدير،بل يبدو أن قوى عالمية كبرى أوشكت على اعتبارها ممارسة طبيعية لا مفر منها حتى ولو تم تحميل « الأخطاء غير المقصودة» مسؤوليتها دون تفتيش في النوايا،وفي هذا السياق جاءت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي ماتيس الأخيرة حول صعوبة تجنب قتل المدنيين خلال المعارك وكأنه يبرر بذلك المذابح التي ارتكبتها القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان وتبدو كذلك وكأنها مبرر لما سترتكبه القوات الأمريكية خلال معركة تحرير الرقة المقبلة،وقد ظهرت مؤشراته بالفعل قبل أيام قليلة بمقتل عدد غير قليل من المدنيين والأطفال الأبرياء خلال غارة جوية أمريكية في المنطقة موضع الحديث.

وبعيدا عما يدفعه المدنيون الأبرياء من ثمن باهظ في العمليات الإرهابية التي تقع في أي مكان من العالم، وهي حروب وعمليات لها قواعدها المختلفة بالتأكيد عن عمليات الجيوش النظامية، فقد بات مألوفا - وذلك أمر مثير للاشمئزاز بالقطع - الحديث عن نحر المدنيين في الصراعات المسلحة والحروب الجارية خاصة في منطقة الشرق الأوسط ودولنا العربية دون حسيب أو رقيب إلى درجة أن وزير الدفاع الأمريكي اعتبر أن ذلك أمرا عاديا – بالنسبة له على الأقل – وهو الذي عرف بشهوته الشديدة لقتل الرجال خلال خدمته كجنرال في الجيش الأمريكي، وليس خافيا بالتأكيد ما يتعرض له المدنيون الأبرياء من قتل وإصابات في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان إلى جانب ما يعانون منه من شظف العيش والجوع والمرض والتشرد والتشرذم، وكلها ظواهر تفاقم من حجم المآسي الإنسانية التي يعاني منها البشر في مثل هذه الظروف الدامية برغم « ترسانة « القوانين الدولية والإنسانية والضوابط العالمية التي تنص على حتمية حماية المدنيين وعدم التعرض لهم بشتى السبل أثناء الحروب والعمليات العسكرية.

ولعل أهم الاتفاقيات الدولية الموقعة في هذا الشأن،اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب الموقعة في أغسطس 1949 وتنص صراحة على أنه في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف الموقعة على الاتفاقية يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدني الأحكام الواردة فيها واعتبار الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر، ولهذا الغرض تحظر الاعتداء علي الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب وأخذ الرهائن والاعتداء علي الكرامة الشخصية، وتؤكد على الأخص خطورة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، أو إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتحضرة.

وجاء مكملا لتلك الاتفاقية الإعلان الختامي للمؤتمر الدولي لحماية ضحايا الحروب في أغسطس 1993 وأكد على رفض انتشار الحروب والعنف والكراهية في جميع أنحاء العالم،ورفض تزايد انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية التي تحدث بانتظام، ورفض عدم الرأفة بالجرحى وقتل الأطفال واغتصاب النساء وتعذيب السجناء وعدم تقديم المساعدة الإنسانية الأساسية إلى الضحايا واللجوء إلى تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب وعدم احترام الأحكام المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني في الأراضي الخاضعة للاحتلال الأجنبي وعدم تقديم المعلومات إلى أسر الأشخاص المفقودين عن مصير ذويهم وترحيل السكان بصورة غير شرعية،ورفض تعرض البلدان للدمار.

ويؤكد الإعلان كذلك رفض انتهاك الأحكام الواردة في القانون الدولي الإنساني والتي تهدف إلى رفع المعاناة الناجمة عن النزاعات المسلحة وإدانة هذه الانتهاكات التي تتسبب في استمرار تدهور حالة الأشخاص الذين هم تحت حماية هذه القواعد بالذات، وكذلك ورفض أن يصبح السكان المدنيون باستمرار، وفي أغلب الأحيان،الضحية الرئيسية للأعمال العدائية وأعمال العنف التي ترتكب أثناء النزاعات المسلحة، مثلما يحدث حين يستخدمون كمرمي أو كدروع بشرية، ولا سيما عندما يصبحون ضحايا ممارسة «التطهير العرقي» البغيضة، وأعرب البيان عن الانزعاج من التزايد الواضح في أعمال العنف الجنسي الموجه بشكل خاص ضد النساء والأطفال ويؤكد من جديد أن هذه الأعمال تمثل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي الإنساني.

ولم يتوقف الإعلان عند ذلك ولكنه شجب أيضا الأساليب والطرق التي تستخدم أثناء سير الأعمال العدائية والتي تتسبب في معاناة جسيمة بين السكان المدنيين، وفي هذا الشأن أكد من جديد العزم على تطبيق وتوضيح، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك، زيادة تطوير القانون الجاري به العمل والذي ينظم النزاعات المسلحة، لاسيما غير الدولية منها لتأمين حماية أكثر فعالية لضحايا هذه النزاعات، وأنه وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني يجب تعزيز عرى التضامن التي ينبغي أن توحد البشرية ضد ويلات الحروب، وفي جميع الجهود التي تبذلها لحماية ضحايا هذه الحروب، وفي هذا السياق يجب دعم مبادرات السلام الثنائية والمتعددة الأطراف الهادفة إلي تخفيف حالات التوتر وتفادي نشوب نزاعات مسلحة، والالتزام بالعمل بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة وطبقا لميثاق الأمم المتحدة من أجل ضمان احترام كامل للقانون الدولي الإنساني في حالة الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها القانون المذكور، وتجب المطالبة باتخاذ إجراءات على المستوى الوطني والإقليمي والدولي لتمكين الأفراد الذين يقدمون المساعدة والإغاثة من إنجاز مهمتهم لفائدة ضحايا النزاعات المسلحة بكل أمان، وتأكيدا على أن قوات حفظ السلام ملتزمة بالعمل وفقا للقانون الدولي الإنساني، فمن الضروري أيضا تمكين أفرادها من الاضطلاع بمهمتهم دون عراقيل ودون المساس بسلامتهم الجسدية.

وبرغم كل هذه القوانين والاتفاقيات والضوابط الدولية فقد تمددت الظاهرة أكثر وأكثر وتزايد عدد الضحايا المدنيين بشكل لافت في الشهور الماضية خاصة في حروب سوريا والعراق مما دفع الأمم المتحدة إلى كسر حاجز الصمت ومطالبة القوى المحاربة لداعش بتوخي الحذر في عمليات القصف التي تقوم بها،وقال الأمير زيد بن رعد الحسين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في بيان إن أعداد القتلى والمصابين المتزايدة بين المدنيين التي نجمت بالفعل عن ضربات جوية في دير الزور والرقة تعطي انطباعا بأن التدابير التي اتخذت ربما لم تكن كافية، مناشدا الدول التي تقوم قواتها الجوية بعمليات في سوريا بـتوخي عناية أكثر في التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين، ويرى مراقبون أن نداءات الأمم المتحدة لن تجدي نفعا وأن عداد القتلى لن يتوقف في ظل تنافس على أشده بين القوى المندفعة نحو هذا الشطر والذي تحركه الحرب على داعش.

وتلك حقيقة يمكن تعميمها،فلقد تغيرت طبيعة الحروب بلا شك، فبينما لم تتجاوز نسبة الضحايا المدنيين في الحرب العالمية الأولى 5%، فقد ارتفعت في الحرب العالمية الثانية إلى 50% لتصل في الحروب والنزاعات خلال نهايات القرن الماضي إلى 90% غالبيتهم من النساء والأطفال، وأغلب الظن أن هذه النسب ستشهد ارتفاعا مستمرا حاليا ومستقبلا، وإذا كان تبني اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين عام 1949 جاء ليخفف من وطأة وخطورة هذا التغيير في منحى الحروب الحديثة، إلا أنه لم يفلح في تغيير هذه الظاهرة، ويبدو جليا الآن أن الاعتماد على اتفاقيات جنيف والقواعد التي أرستها كوسيلة لحماية المدنيين لم يعد كافيا، وأصبحت هنالك حاجة ملحة لتوفير حماية حقيقية للمدنيين من أخطاء الحروب وجرائمها غير المقصودة أو المباشرة وكذلك لا بد من تفعيل قوانين وقواعد المحاسبة الدولية في هذا الشأن.