أفكار وآراء

التضخم الموسمي للأسعار .. يحدث في أسواق شبه احتكارية

10 يونيو 2017
10 يونيو 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

عندما ظهرت الثورة الصناعية باختراع الآلة البخارية في إنجلترا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وانتقلت بعد ذلك إلى دول غرب أوروبا ثم إلى جميع أنحاء العالم . وقد كانت إنجلترا الدولة الأولى التي ظهرت فيها الثورة لعدة أسباب، منها أنها كانت قوية اقتصاديا وأنها تتوفر على موقع جغرافي مهم كما أنها كانت منعزلة عن المشاكل داخلها. وحتى نهاية القرن الثامن عشر وبحلول القرن التاسع عشر تأكد للاقتصاديين والفلاسفة والمفكرين أن منتجي السلع ومسوقيها تمادوا في تسعير منتجاتهم التي تصاعد الطلب عليها فتضاعفت الأرباح على حساب المستهلكين مما جعل الاقتصاديين يؤيدون التوسع بالمزيد من المصانع لإنتاج السلع. وبالتوسع في فتح المزيد من منافذ التسويق، وذلك لإحلال المنافسة محل الاحتكار. وخلال قرنين من الزمن ترسخت أعراف أخلاقية في الإنتاج والتسويق خلاصتها أن أنتج بجودة وسعر بعدالة. ثم ظهرت في معظم الدول المتقدمة قوانين وتشريعات تجرم الاحتكار.

ومن المسلمات الاقتصادية أن أسعار السلع والخدمات ترفع أو تستقر وقد تنخفض بنسب تتحكم بها توجهات العرض والطلب. وذلك في أسواق تتمتع بالمنافسة في اقتصادات قوية. اما في اقتصادات الدول النامية فإن أسواقها لا تتمتع بالمنافسة. وإن قوانين السوق فيها طالما تتعرض لتوجهات احتكارية تتحكم بالأسعار وفق مصالحها الآنية. فترفع الأسعار توليا ولن تتراجع. وقد تستقر لمدة قصيرة وتعاود الارتفاع.

ويمكن اعتبار ارتفاع الأسعار (التضخم) الموسمي، من الحالات المتوقعة في معظم الاقتصادات التي لا يوجد فيها سوق منافسة إذ ترتفع أسعار السلع والخدمات التي يتصاعد عليها الطلب عند حلول المناسبات الدينية أو الوطنية أو الاجتماعية. وتشهد أسعار عدد من السلع الاستهلاكية ارتفاعا مضاعفا قبل تلك المناسبات. وكما يحدث كلما حل شهر رمضان والأعياد ، فتتضاعف أسعار السلع الأكثر طلبا في الأسواق .

فتضاعف أسعار العديد من السلع، وتحديدا الغذائية منها قبيل حلول شهر رمضان وخلاله، وبحلول عيد الفطر أو عيد الأضحى وبعدهما، لا يجد المواطن تفسيرا للفرق بين نسب التضخم المعلنة وبين ما كانت عليه وما صارت خلال الموسم.

ولتوضيح الأمر يجب أن نؤكد أولا أن الأرقام التي تعلن شهريا او الفصلية والسنوية، دقيقة وصادقة وعلمية في حسابها وإخراجها. ويتم حساب معدل التضخم على أساس سنوي من خلال تطور الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين حسب الإنفاق في محافظة مسقط وفي عموم السلطنة، وكذلك يتابع تطور الأرقام القياسية لأسعار الجملة، ويحسب سعر الأساس القياسي من طرح متوسط الأسعار في الربع الأول من كل سنة من الربع الرابع من تلك السنة، وإن النسبة المئوية لسنة الأساس. وأن الوزن المعطى للعشرات من المواد الغذائية هو 30.385 % في جدول الأوزان.

أما المستهلك الذي يجد أن سعر السلع في المناسبات الدينية والأعياد قد تضاعف، فإن ذلك سببه إدارات منافذ التوزيع بالجملة ، كما أن إدارات أسواق التجزئة (سعر السلعة للمستهلك) تبالغ في مضاعفة الأرباح، فتبدو الأسعار غير منسجمة مع المعلن من معدلات التضخم .

وفي معظم دول العالم تعلن مؤسساتها، التي تتابع تطورات أسواقها، لمواطنيها دوريا نسب ارتفاع الأسعار (التضخّم)، وبقدر أهميتها للمستهلك فإن لها أهمية خاصة للعديد من المصالح والمؤسسات في القطاعين الخاص والحكومي لوضع خططها في الإنتاج أو في الخدمات العامة.

وتحاول المؤسسات المعنية بمتابعة ورصد تطورات نسب التضخّم بأن تكون شفافة وصادقة في ما يعلن من تلك النسب، ومع ذلك يمكن أن يجد المواطن المستهلك تفاوتا في معدلات التضخم وما يجده في الأسواق من أسعار للسلع والخدمات التي يحتاجها، والتي من بينها سلع أساسية ذات طلب فعّال.

ولعل السبب هو أن مؤسسات رصد تطورات التضخم في الأسواق تعتمد على صيغ حساب ذات معايير و أوزان لأسعار السلع مستقاة من مصادر لديها سجل للأسعار مختلف عن أسعار السلع التي يجدها المستهلك في أسواق الاستهلاك المباشرة.

وبما أن أسواق السلطنة تستورد معظم سلعها فإن معدلات التضخم تتأثر بارتفاع أسعار السلع في مناشئها في تلك المواسم . لذلك يجد المستهلك فرقا كبيرا بين ما يعلن من نسب تضخم وما يتعين عليه دفعه لقاء السلع في الأسواق. ولعل أهم أسباب ذلك التناقض بين نسب التضخم المعلنة وبين أسعار سلع المستهلك يمكن تلخيصها بما يلي :

1ــ ضعف المنافسة بوجود عدد قليل من الموردين للسلع المستوردة وتوفيرها في الأسواق بأسعار تفوق مستوى أسعارها من مناشئها بهدف تضخيم الأرباح، لذا يمكن وصف الأسواق الخليجية بالأسواق شبه الاحتكارية. فتسعير السلع والخدمات مستويات غير تلك التي اعتمدت من قبل الجهات الرسمية التي تعلن معدلات التضخم يؤدي إلى ذلك التفاوت بين النسب المعلنة والواقع.

2 ــ استغلال منافذ التسويق تصاعد الطلب على عدد من السلع فترفع أسعارها لتحقيق المزيد من الأرباح بما لا ينسجم مع مستويات الدخل الفردي للمواطن.

3 ــ بقاء الطلب على السلع والخدمات فعّالا ومتناميا، إذ لم يتأثر الطلب الفردي في الأسواق بما يدفع الموردين ثم المسوقين لفرض أسعار أعلى من مستوياتها .

ومن خلال متابعة لتطور الأسعار في منافذ التسويق الكبيرة في السلطنة فإن إداراتها صارت تسعر السلع الأكثر طلبا يوما بيوم. ومن الأمثلة التي يمكن استحضارها أن عددا من المنتجات الزراعية التي طرحت في الأسواق قبل شهر رمضان ارتفعت أسعاره أضعافا خلال شهر رمضان.

بجهود استثنائية تعمل الهيئة العامة لحماية المستهلك لتوعية المستهلك على تعزيز وضع السوق وتنميته لتوفير خيارات أكثر للمستهلك بأقل الأسعار. والمتابعة المتواصلة لواقع أسواق السلطنة ومتغيراتها من خلال حملات التفتيش الدورية لمنافذ التوزيع والتأكد من التزامها بقوانين الحماية وتوفيرها للسلع بكميات مناسبة والتزامها بمعايير الجودة وبأسعار تنسجم مع متوسط الدخل الفردي للمواطنين.

كما عملت الهيئة على تجسيد مبادئ المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار، وإعداد الدراسات حول تنظيم السوق للحيلولة دون وقوع الاحتكار، بالإضافة إلى تشجيع المنافسة العادلة بين التجار، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية في الحكومة والقطاع الخاص فوضعت الخطط والبرامج اللازمة لتفعيل حماية المستهلك وتعزيزها في ضوء الدراسات الميدانية التي تجريها الهيئة على أسس علمية. وعملت الهيئة على تنفيذ السياسة العامة لحماية المستهلك في السلطنة وتطوير مضامينها وفق المستجدات في الأسواق بالتعاون مع بقية الوحدات الحكومية المختصة لتوحيد مسار العمل منعا لازدواجية تطبيقات معايير الحماية للوصول إلى أهدافها التي تتمحور حول إيجاد أفضل السبل لتنظيم النشاطات المرتبطة بحماية المستهلك.

تجدر الإشارة إلى أن الهيئة العامة لحماية المستهلك صارت أكثر اقتدارا وتوسعا في تغطية أسواق السلطنة كافة في عملها الدؤوب لرصد ومتابعة تقديم خدمات الحماية بكافة مضامينها بتعاون المواطن والمقيم ومنافذ التسويق كافة مع الهيئة في إدراك طبيعة عملها ونبل أهدافها في السعي لحماية المستهلك من أي انحراف عن مبادئ الحماية التي تعامل كافة الأطراف بنزاهة وتجرد. من خلال متابعة تطور أسعار السلع في مراكز التسويق الكبرى في السلطنة فإن إدارات تلك المراكز خبرت أساليب التعامل والمناورة في تسعير السلع الأكثر طلبا في المواسم الدينية والاجتماعية كما هو الحال في شهر رمضان وعيد الفطر وغيرها من المناسبات، إذ ترفع الأسعار تدريجيا قبل حلول تلك المواسم وبنسب تصاعدية غير محسوسة، وعند حلول المناسبة تكون أسعار تلك السلع قد استقرت على مستويات عليا من الأسعار. إن من حق كل من يقدم الخدمات في أي نشاط اقتصادي أن يحقق الربح الذي يجعل مصنعه أو سوقه أن يرسخ جوده ويتطور. غير أن ذلك يجب أن يكون منسجما مع القوة الشرائية لمعظم شرائح المستهلكين. لذلك فإن دراسات السوق تتجه لمعرفة متوسط الدخل الفردي في المجتمع ليتم تحديد مستويات الأجور ومن ثم انسجام أسعار السلع مع مستوى الدخل الفردي.