أفكار وآراء

تعزيز مفهوم الصكوك الإسلامية في المجتمع العماني

10 يونيو 2017
10 يونيو 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تشهد السوق العمانية حاليا طرح عدد من الأدوات المالية الإسلامية لامتصاص السيولة المحلية من جهة، وتعزيز مفهوم تلك الأدوات في المجتمع العماني من جهة أخرى. ومنذ انطلاقة أعمال الصيرفة الإسلامية في السلطنة منذ عام 2011 ، فإن عمليات البنوك الإسلامية و النوافذ الإسلامية للبنوك التقليدية بدأت تعطي نتائج إيجابية سواء من حيث تكوين الإيداعات أو قيامها بتقديم التسهيلات المصرفية للأفراد أو المؤسسات أو لمشاريع البنية الأساسية ، فيما بدأت هي من جانبها بطرح منتجات وأدوات مصرفية أسلامية جديدة ومنها الصكوك الإسلامية. ففي الآونة الأخيرة، بدأ ميثاق للصيرفة الإسلامية التي تعتبر النافذة الإسلامية التابعة لبنك مسقط بطرح أول اكتتاب للصكوك على المستوى المحلي، حيث نال هذا المشروع إقبالا وتجاوبا كبيرين من الأفراد والمستثمرين والمؤسسات الأخرى على المستويين المحلي والإقليمي. وهذا ما أشار إليه بيان ميثاق للصيرفة الإسلامية الأخير بأن الاكتتاب الأول للصكوك التي دشنها خلال الفترة من 21 مايو وحتى 1 يونيو 2017 بقيمة 25 مليون ريال عماني للمرحلة الأولى تجاوزت قيمة الاكتتاب فيه أكثر من المبلغ المحدد دون ذكر إجمالي قيمة مبلغ الاكتتاب، الأمر الذي يؤكد الثقة الكبيرة التي تحظى بها هذه الأداة المالية لدى المستثمرين بالسلطنة وريادتها في تعزيز مجال الصيرفة الإسلامية ودعم مجالات التمويل الإسلامي بالسلطنة.

وتشير الأدبيات التي تتناول هذه الأداة “الصكوك الإسلامية”، أو ما تسمّى بـ”الأوراق الإسلامية” بأنها عبارة عن إصدار وثائق رسمية وشهادات ماليّة تساوي قيمة حصة شائعة في ملكيّة ما، سواء أكانت منفعة، أو حقا، أو خليطا منهما، أو مبلغا من المال، أو دينا، حيث تكون هذه الملكية قائمة فعلياً أو في طور الإنشاء، ويتم إصدارها بعقد شرعيّ ملتزم بأحكامه. كما أنّ مبدأ الصكوك الإسلاميّة يقوم على المشاركة في “تمويل” مشروع أو استثمار ما طويل أو قصير الأمد، حسب القاعدة الشرعية التي تنص بـ “الغنم بالغرم” أي المشاركة في الربح والخسارة، وهي مساوية لما يعرف عالمياً في التجارة والمال والشركات بنظام الأسهم.

إن برنامج الصكوك الإسلامية التي دشنها ميثاق للصيرفة الإسلامية مؤخرا سبق لها أن حصلت على الموافقة من الهيئة العامة لسوق المال والبنك المركزي العماني والجهات المعنية الأخرى بإطلاق أول برنامج صكوك مفتوح للجميع بما فيهم الأفراد وذلك بقيمة 100 مليون ريال عماني (260 مليون دولار أمريكي)، حيث تم طرح ما قيمته 25 مليون ريال عماني (65 مليون دولار أمريكي) للاكتتاب العام كمرحلة أولى وبمعدل ربح يبلغ 5% سنويا ولمدة 5 سنوات مستحقة عام 2022 ، الأمر الذي يساعد على تغيير مشهد الخدمات المصرفية الإسلامية في السلطنة خلال الفترة المقبلة، ويعزّز أيضا منظومة العمل المصرفي في السلطنة ويحقق إنجازات من خلال تقديم التمويل لعدد من المشاريع الاقتصادية والتجارية في مختلف المجالات، وفي تقديم التسهيلات والخدمات المصرفية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية للمجتمع العماني ومؤسسات القطاع الخاص، الأمر الذي يساعد البنوك الإسلامية من الاستمرار في أعمالها التجارية والتسويقية.

ومثل هذه المشاريع تهدف في نهاية المطاف إلى التطوير والتوسع في تقديم الخدمات والتسهيلات المصرفية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية. وهذا ما أوضحه البيان الصادر بهذا الشأن حول ما حققه الإصدار الأول للصكوك الإسلامية، والذي لقي تجاوبا كبيرا من جميع فئات المجتمع العماني وخارجه، ويمثل حافزا في تطوير المزيد من المنتجات الإسلامية المصرفية المبتكرة وطرح خدمات وتسهيلات مصرفية يمكن للزبائن الاستفادة منها، وتكون في نفس الوقت مصدرا لتلبية احتياجات الشركات والمؤسسات في تمويل المشاريع المختلفة وفي كافة المجالات والقطاعات وإنجاحها والوقوف مع الشركات ورجال الأعمال. وقد سبق للمصارف الإسلامية والنوافذ الإسلامية في السلطنة ومنها ميثاق للصيرفة الإسلامية بالتوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم لتقديم تسهيلات تمويلية لعدد من الشركات والمصانع في السلطنة منها شركات حكومية كالطيران العماني وشركات أخرى في مجال التصنيع والتغذية والخدمات وغيرها.

وكما هو معروف فإن المصارف الإسلامية أو النوافذ الاسلامية أو بيوت التمويل الإسلامي تقوم بإصدار هذه الصكوك بعد إنشاء أي مشروع يحتاج إلى التمويل، ويتم العمل بها حسب قوانين البلاد، ويكون هناك هيئة شرعية للرقابة، للتأكد من أنّ كل ما يتعلق بهذه الصكوك يتم حسب أحكام الشريعة الإسلاميّة ومبادئها، ووفقاً لقوانين الدولة وقراراتها. وهناك اليوم أنواع عدة من الصكوك الإسلاميّة، منها الصكوك الاستثماريّة وهي عبارة عن أوراق ماليّة تشير إلى حق تملك المشروع الذي يتم تمويله من أمواله هذه الصكوك، ولحاملها نسبة من أرباح المشروع بحسب ما اتفق عليه، وفيها ربح وخسارة، كما توجد صكوك المضاربة والذي يستخدمه المضارب لاستخدام أموال هذا الصك في تمويل مشروع ما يكون هو مديره والمسؤول عمنه باعتباره -مضارب-، مقابل أن يحصل على حصة معينة من أرباح المشروع، بمعنى آخر أنّه يحصل على قيمة ونسبة أكبر من حملة الصكوك الأخرى لأنّه يعمل بالإضافة إلى ممول مشروع هو مدير المشروع أيضاً، ولا تحسب له الخسارة، بالإضافة إلى صكوك الاستصناع، وصكوك المرابحة، وصكوك المشاركة وهي الأقرب لمبدأ الأسهم، وصكوك الإجارة وهو الذي يتعلق بالممتلكات المؤجرة، وصكوك التجارة وهي نفسها ما تسمى بـ “صكوك التمويل”، والتي تطلبها الحكومة من مؤسسات التمويل كالبنوك بإصدار هذه الصكوك لاستخدامها في شراء مواد ما بنسبة مرابحة محددة بالإضافة إلى صكوك أخرى ربما تشهدها الأسواق العمانية في الفترات المقبلة في إطار الأعمال التي تقوم بها البنوك الإسلامية في البلاد.

إن البيانات الصادرة عن البنك المركزي العماني تشير إلى أن قطاع الصيرفة الإسلامية يشهد تطورا مستمرا، فقد ارتفع إجمالي رصيد التمويل الممنوح من قِبل البنوك والنوافذ الإسلامية إلى حوالي 2.6 مليار ريال عُماني (6.76 مليار دولار) في نهاية الربع الأول من العام الحالي مقارنة مع 1.9 مليار ريال عُماني (4.94 مليار دولار) خلال نفس الفترة من العام الماضي، كما سجل إجمالي الودائع زيادة كبيرة ليصل إلى 2.4 مليار ريال عُماني (6.24 مليار دولار) في نهاية مارس 2017م مقارنة مع 1.7 مليار ريال عُماني (4.42 مليار دولار) في نهاية مارس 2016م. وانعكاسًا لهذه التطورات، فقد بلغ إجمالي الأصول للبنوك والنوافذ الإسلامية مجتمعةً حوالي 3.3 مليار ريال عُماني (8.58 مليار دولار) أي ما نسبته 10.8% من إجمالي أصول القطاع المصرفي في السلطنة مع نهاية مارس 2017م.

وبما يميز الصكوك الإسلامية عن غيرها من الأدوات المالية الأخرى هو الإقبال الكبير من المسلمين الذين يراعون في أموالهم عدم التعامل مع النظم والأساليب التي تتبعها البنوك التقليدية في كيفية تحقيق الأرباح التي يعتبرها البعض بأنها غير شرعية، والتي تعتبر بنفس الوقت حلاً مثالياً للعديد من أصحاب المشاريع. فهذه الصكوك تعمل على توفير سيولة نقديّة لأصحاب المشاريع بوقت قصير وسريع، وهي بالنسبة للمستثمرين فيها نسبة مخاطرة أقل من غيرها، حيث يمكن بيعها في حالة الخسارة، كما أنّ نظامها يعتمد على مبادئ الشريعة الإسلاميّة وهي بعيدة كل البعد عن الربا وفوائده، وهي لا تمثّل ديناً على صاحبها. كما أنّ هذه الصكوك تساعد الحكومة وأصحاب المشاريع الكبيرة في تغطية العجز الماليّ إن حدث، وهي كذلك مفيدة حيث يمكن استخدامها في بنوك الغرب، ويمكن التداول بها عالمياً. إن الصكوك الإسلاميّة تساعد في زيادة فرص الاستثمار في المشاريع، وهذا له دور إيجابيّ كبير في زيادة قوّة اقتصاد الدولة وتنشيطه وتعزيز نموّه بشكل سريع وفعال، كما وأنّها تساعد في زيادة قدرة الدولة على بناء خطط تنمية اقتصادية وخلق أسواق تداوليّة وزيادة نسب مدخرات الأفراد وتوسيع المشاريع الاستثماريّة، الأمر الذي يعطي فرصة أكبر للمؤسسات والأفراد في السلطنة بالإقبال على المصارف الإسلامية وأعمالها التجارية خلال الفترة المقبلة.