روضة الصائم

أدب القضاء - فيما للقاضي وما عليه (6)

10 يونيو 2017
10 يونيو 2017

زهران بن ناصر البراشدي/ القاضي بالمحكمة العليا مسقط -

وإن حدث به -بعد خروجه إلى مجلس الحكم- ما يشغل قلبه أو يكدر صفوه كف عن القضاء؛ إذ ليس للحاكم أن يحكم وهو متغير القلب لجزع مقلق، أو ملل مرهق، أو فرح مفرط، أو مرض شاغل، أو نعاس غالب عليه، أو كان مدافعا للأخبثين، أو به هم، أو غم، أو غضب، أو جوع، أو عطش، أو حاجة شهوانية إلى غير ذلك، لما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان».

فقد أخذ جميع فقهاء الأمة من هذا الحديث قاعدةً شرعية عامة: في كل ما يشغل البال عن فهم الأمور على وجهها الصحيح. وجعلوا قوله صلى الله عليه وسلم «وهو غضبان». من باب التمثيل فقط.

قال الشافعي: في معنى قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) الحجرات/‏‏ أمر الله من يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون متثبتا قبل أن يمضيه، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم خاصة: «ألا يحكم الحاكم وهو غضبان» وليخرج وعليه السكينة والوقار والتواضع، فإذا وصل إلى المجلس فليسلم على من حضر في المجلس ثم يسأل الله العافية والعون والإرشاد والعصمة والتوفيق.

وينبغي للحاكم إذا جلس للحكم أن يدعو بهذا الدعاء» بسم الله استمسكت بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها وتوكلت على الله واستعنت بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله».

ويكون في مجلسه مستقبل القبلة؛ إن أمكن، للحديث المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لكل شيء شرف وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة.

ويؤمر الحاكم أن يأخذ بكل خصلة حميدة ويترك كل خصلة ذميمة.

ويستحب للحاكم أن يجلس للقضاء في مكان فسيح بارز يصل إليه كل من أراده، ويكون في وسط البلد الذي يقضي فيه، ولا يحتجب من غير عذر؛ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم قال: من ولي من أمر المسلمين شيئًا فاحتجب؛ دون حاجتهم، وفاقتهم، وفقرهم، احتجب الله يوم القيامة عن خلته وحاجته وفقره وفاقته.

ويؤمر الحاكم أن يكون مجلسه حيث لا يتأذى فيه بحر أو برد أو دخان أو ريح منتـنة، أو أي شيء مشغل للبال.

وعلى القاضي أن يستعين بمترجم ثقة أمين عالم باللغات التي لا يجيدها بنفسه؛ إذا وردت إليه دعوى فيها من لا يجيد العربية، أو بها بعض المحررات غير العربية التي تختص بالدعوى من غير لغات العرب ليعبر له عن خصوماتهم ودعاواهم، ويفسر له ما أنبهم من مشكلاتهم.

وقد روى أن زيد بن ثابت كان ترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وترجم عبدالرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة لعمر رضي الله عنه كلام النوبية التي خلفها والده حاطب فوجدت حبلى، و ترجم أبو جمرة لابن عباس رضي الله عنه. وعلى هذا صار عمل الأمة حتى الآن.

قال البخاري: في باب ترجمة الحكام. وهل يجوز ترجمان واحد؟: وقال خارجة بن زيد بن ثابت: عن زيد بن ثابت، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود، حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لعبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة وعنده علي وعبد الرحمن وعثمان: (ماذا تقول هذه؟ {أي المرأة التي وجدت حبلى} قال عبد الرحمن بن حاطب: فقلت: تخبرك بصاحبها الذي صنع بها. وقال أبو جمرة: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، وقال بعض الناس: لا بد للحاكم من مترجمين... والمراد ببعض الناس محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة فإنه الذي اشترط أن: لا بد في الترجمة من اثنين. ونزلها منزلة الشهادة، وخالف أصحابه الكوفيين ووافقه الشافعي).