أفكار وآراء

حول تشبث داعش بليبيا

09 يونيو 2017
09 يونيو 2017

الإيكونومست -

ترجمة قاسم مكي -

كان مسلحو داعش في ليبيا يتقهقرون أوائل هذا العام، مَثَلَهم في ذلك مَثَل رفاقهم في سوريا والعراق. ففرعهم الليبي الذي يعتبر الأخطر خارج منطقة الهلال الخصيب طرد من سرت، معقله الساحلي، في ديسمبر الماضي وتعرض لقصف موجع من قاذفات القنابل الأمريكية في يناير. وبدا أن تلك الضربات تبدِّد الفكرة التي ترى أن ليبيا قد تكون القاعدة التي ستلوذ بها داعش مع تداعي مركز «الخلافة.»

ولكن على الرغم من هزيمة المتشددين في ليبيا إلا أنهم لم يخرجوا من ساحة القتال. بل ربما أن لديهم امتداد عالمي (خارج ليبيا). لقد جمع العديد من المسلحين صفوفهم مرة أخرى في أجزاء من الأودية الصحراوية والتلال الصخرية جنوب شرق طرابلس.

وتتحرى الشرطة البريطانية عن روابط بين سلمان عبيدي الانتحاري الذي قتل 22 شخصا في حفل بمانشستر يوم 22 مايو وبين داعش التي ادعت مسئوليتها عن الهجوم. وكان عبيدي موجودا في ليبيا مؤخرا واعتقل شقيقه ووالده في طرابلس يوم 24 مايو. وتقول المليشيا التي تحتفظ بهما أن شقيقه عضو في داعش وكان يخطط لهجوم في طرابلس.

لقد ظلت الفوضى هي الشيء السائد والمعتاد في ليبيا منذ الانتفاضة التي أطاحت القذافي في عام 2011 حيث يحتدم صراع من أجل النفوذ والسلطة تنخرط فيه تشكيلة من الجماعات المسلحة التي لها تحالفات فضفاضة مع الحكومتين المتنافستين في الشرق والغرب. وكان اتفاق سلام تدعمه الأمم المتحدة ووقع عليه بعض المتخاصمين في عام 2015 قد فشل في توحيد ليبيا أو في إيجاد دولة فعالة تحت إدارة «حكومة الوفاق الوطني.»

وتغذت جماعة داعش من الفوضى بل أضافت لها، مؤخرا بشن الغارة على أنابيب ومحطات ضخ المياه. ويعتقد أن 500 مقاتل من داعش ينشطون في ليبيا وليس آلافا حسبما يعتقد قبل الانتكاسات التي تعرضوا لها مؤخرا. ولكن ربما يوجد 3000 متشدد من كل شاكلة ولون. وكعلامة على مدي اختلاط الأمور هناك، يقال أن داعش تتلقي الآن دعما من مقاتلي القاعدة المحليين على الرغم من العداء بين قادة الجماعتين في الخارج. ففي ليبيا تنشط القاعدة وداعش في نفس المناطق ويتنقل المحاربون بين الجماعتين جيئة وذهابا.

يقول ولفغانغ بُوسْزتَي وهو ملحق عسكري نمساوي سابق في ليبيا «يمكنني أن أتصور جيدا أنهم (أي مسلحي داعش والقاعدة) يتعاونون في مجالي اللوجستيات واقتسام المعلومات.» ويقول مسئولو حكومة الوفاق الوطني التي أشرفت على استعادة سرت أن طبيعة الأرض في الجنوب الليبي تجعل من الصعب مهاجمة داعش من البر. ولكن توجد مشاكل أيضا فيما يخص الهجمات الجوية. فالمسلحون المتشددون امتنعوا عن التنقل والسفر بأعداد كبيرة بعد أن قتلت القاذفات الأمريكية أكثر من 80 فردا منهم في طلعة جوية واحدة في يناير الماضي.

وهم الآن يتحركون في مجموعات صغيرة على طول الطرق التي لا توجد بها دوريات مراقبة. وتقول حكومة الوفاق الوطني أنها تراقبهم بدقة من قاعدة بالقرب من بلدة بني الوليد في حين تتولى الولايات المتحدة أيضا رصد تحركاتهم من الجو. فهي ترسل طائرات آلية (بدون طيار) من قواعد في تونس منذ الصيف الماضي، وتنشئ قاعدة جديدة للطائرات الآلية في النيجر. ويشعر الجيران بالقلق من أن حركاتهم المتمردة ستحصل على التشجيع والتدريب في ليبيا ثم تعود إلى بلادها. لقد أغلقت تشاد حدودها مع ليبيا في يناير الماضي خوفا من تدفق المسلحين المتشددين (لاحقا فتحت معبرا واحدا.) كما دشنت الجزائر قاعدة جوية جديدة لحراسة حدودها. أما تونس التي تعرضت إلى عدة عدة هجمات من الجهاديين فقد أقامت سدا ترابيا بطول 200 كيلومتر (125 ميلا) على طول حدودها مع ليبيا. ولكن بالرغم من ذلك تحتفظ جماعة داعش بخلايا بالقرب من صبراته في الغرب لمساعدة مقاتليها على الدخول والخروج. أما أوروبا التي تبعد عن ليبيا بحوالي 400 كيلومتر فقط فتراقب الوضع في قلق. لقد جعلت الفوضى من ليبيا نقطة العبور الرئيسية لأوروبا بالنسبة للمهاجرين الأفارقة. وعلى الرغم من زيادة أعداد دوريات المراقبة من المعتقد أن حوالى 50 ألف مهاجر وصلوا إلى إيطاليا بالقوارب خلال هذا العام حتى الآن. وهو عدد يزيد بنسبة 40% عن عددهم خلال نفس الفترة من العام الماضي. ويعتقد البعض أن تجارة التهريب تساعد في تمويل الإرهاب وأن المتشددين ربما من بين أولئك المهاجرين الذين يعبرون البحر إلى أوروبا. حتى الآن تتجنب داعش وكذلك حلفاؤها جذب الأنظار في ليبيا إن لم يكن في غيرها فيما تحاول استجماع قواها وإعادة بناء نفوذها. وفي الأثناء، تبدو الآمال بتسوية الصراع قاتمة. ففي الغالب ستستمر الفوضى، الأمر الذي سيتيح للمسلحين المتشددين الفرصة لتعزيز وجودهم في ليبيا.