أفكار وآراء

تردي العلاقة بين ترامب وأوروبا

09 يونيو 2017
09 يونيو 2017

سمير عواد -

لم يكن نوع المكان مناسبا كي تطلق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تصريحات مدوية باتجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فمن عادتها أن تتطرق لمثل هذه التصريحات، إذا كانت تلقي بيان حكوميا في البرلمان الألماني، أو البرلمان الأوروبي، ولكنها تحدثت داخل خيمة شعبية في مناسبة أقامها الاتحاد المسيحي في مدينة «ترودرنج» البافارية.  

قالت ميركل «لقد انتهت المرحلة حين كنا نعتمد كليا على بعضنا البعض، حسب ما تأكد لنا في الأيام القليلة الماضية، وكانت تقصد قمة مجموعة السبعة في «تورمينا» بجزيرة صقلية الإيطالية، والقمة الأوروبية الأمريكية في بروكسل، وتابعت ميركل «ينبغي علينا أن نمسك مصيرنا بأيدينا. وكانت عباراتها تؤكد فقدانها الأمل بنهج الرئيس الأمريكي الجديد، خاصة بعد انسحاب بلاده من اتفاقية المناخ المبرمة في باريس، وهي الخطوة التي أثارت سخط الأوروبيين، وأكدت للقادة الأوروبيين أن ترامب رجل خطير يتخذ قرارات قد تؤدي إلى انهيار النظام العالمي.

في الأسابيع الأخيرة، حاولت ميركل تحذير ترامب من اتخاذه قرارات تزيد من اتساع الهوة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين. فقد استضافت رئيس وزراء الهند ثم رئيس وزراء الصين، وأرادت الإيحاء لترامب أن هناك بديلا للولايات المتحدة الأمريكية. وبعدما قرأ الأوروبيون نهج ترامب بإسهاب، تأكد لهم أن الرجل ينظر إلى أوروبا نظرة تختلف تماما عن الرؤساء الذين سبقوه في منصبه، وهذا العلاقة التي توطدت وتعمقت منذ تحالفهم ضد هتلر خلال الحرب العالمية الثانية. ولعقود طويلة، كانت بريطانيا أهم حليف لواشنطن في أوروبا الغربية، لكن ألمانيا الغربية، استطاعت أن تحتل المركز الثاني، فكانت وما زالت، تستضيف قواعد الجيش الأمريكي والصواريخ النووية، وبعد استعادة وحدة شقيها في عام 1990، واصلت دورها كحليف وثيق لواشنطن.

واستطاعت هذه العلاقة الاستراتيجية من وجهة نظر البلدين، أن تصمد ضد الصدمات والنزاعات، مثل رفض المستشار الألماني جرهارد شرودر، مشاركة بلاده في غزو العراق عام 2003، ثم الكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكي على ميركل، لكن يبدو أن مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، أصبح يهدد بنسف علاقات بلاده مع أوروبا. وبحسب صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية، فإن تصدع العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وصل أسوأ مستوى بعد قمة السبعة الأخيرة.

وأعربت الصحيفة عن اعتقادها، أن تصريحات ميركل، لم تكن موجهة إلى ترامب فحسب، الذي ستلتقيه في شهر يوليو عندما تستضيف مدينة «هامبورج» الألمانية، قمة العشرين، بل كانت توجه رسالة إلى العالم. فسرعان ما دار نقاش حول ما إذا كان الخلاف الجديد بين ترامب وأوروبا، سيقود إلى أفول التحالف الغربي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية وظل ثابتا حتى نهاية عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما؟ ثم دعا زيجمار جابرييل، وزير الخارجية الألماني المعروف بموقفه الناقد لترامب، إلى انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من المجتمع الدولي وقال: «لقد أصبح الغرب صغيرا في الأيام القليلة الماضية». حتى أن كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية الذي يُعتبر من أبرز منتقدي ميركل، اضطر إلى القول أن المستشارة الألمانية على حق في تحذيرها من انهيار التحالف الغربي وقرارات ترامب.

وليس هناك أدنى شك بأن تصريحات ميركل تخدم حملتها الانتخابية، فبينما ترامب بدأ للتو ولايته الأولى، فإن ميركل التي تشغل منصبها منذ أحد عشر عاما، تكافح من أجل الفوز بولاية رابعة في 24 سبتمبر المقبل. إلا أن القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها ترامب منذ اليوم الأول لاستلامه منصبه، وخاصة الأخير منها المتعلق بالتراجع عن توقيع واشنطن في باريس على اتفاقية المناخ، دفعها إلى الخروج عن تحفظها حيال ترامب وهذا يلقى قبولا لدى الناخبين الألمان. ولذلك أدلى منافسها مارتن شولتس، بتصريحات ناقدة لترامب حتى يثبت وجوده والرسالة التي وصلت إلى واشنطن أنه بغض النظر عما إذا فازت ميركل أو شولتس، فإن موقف برلين موحد ضد ترامب.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو : ما الذي يجعل ميركل تخرج عن تحفظها وتنتقد الرئيس الأمريكي بشدة؟ يقول بعض المحللين أن العلاقة بين طرفي الأطلسي تصدعت مؤخرا إلى حد خطير. ومن وجهة نظر برلين، فقد فقد القادة الأوروبيون صبرهم حيال ترامب بعدما ألحق بهم الإهانة تلو الأخرى. فخلال اجتماع قمة السبعة في إيطاليا، غرد على «تويتر» أنه يعتزم إلغاء التزام بلاده باتفاقية المناخ في باريس، ولم يبحث الموضوع معهم. وفي قمة الناتو الأخيرة في بروكسل دفع رئيس الجبل الأسود جانبا ليظهر في مقدمة قادة دول الحلف بشكل أهان الآخرين، كما رفض تقديم ضمانات للحلف الأمر الذي وضع تساؤلات حول دور الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الناتو. كما وصف الألمان بأنهم «سيئين» لأنهم يغرقون الأسواق الأمريكية ببضائعهم.

حتى آخر المتفائلين في أوروبا أصبحوا يشكون بأن ترامب يعمل كل ما في وسعه لتحطيم التحالف الغربي والنظام العالمي القائم. ورد ترامب عبر «تويتر» على انتقادات ميركل، حيث ذكرها بالفائض التجاري بين ألمانيا وبلاده، والذي يميل لصالح ألمانيا، كما قال أن ألمانيا تقدم مساهمات مالية لحلف الناتو أقل بكثير من الولايات المتحدة، واعتبر ترامب ذلك «سيئا» لبلاده، ينبغي حسب رأيه أن يتغير.

ويسود اليأس في ديوان المستشارية الألمانية، تحسبا لهزات جديدة يقوم بها ترامب عند مشاركته في قمة العشرين المقبلة، حيث من الصعب على مستشاري ميركل تصور إمكانية قيام تعاون بناء مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل عهد ترامب. ذلك أن برلين تريد إنجاح قمة العشرين، ويعتمد النجاح كثيرا على التعاون مع واشنطن. لكن يبدو أن رسالة ميركل كانت تعني أيضا، إما نتعاون مع الولايات المتحدة، أو بدونها. ويبدو أن الغرب سيصبح فعلا أصغر مما كان عندما تم انتخاب ترامب.