ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :حراك رمضان كما نعهده..

09 يونيو 2017
09 يونيو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

شهر رمضان مباهجه كثيرة، ومحطاته عديدة، ومناخاته كثيرة، هكذا عهدناه منذ بواكير العمر الأولى، على الرغم من تواضع المعرفة، وقلة الحركة، ومحدودية المساحة، حيث القرية بأشيائها الصغيرة، ومع ذلك فما أن يأتي شهر رمضان؛ إلا وتعيش القرى، كما هو الحال في المدن، حالات من الحركة والنشور غير معتادين، ويتواصل هذا الحراك إلى القرى الأخرى القريبة والبعيدة، في حالة من النشاط، وفي حالة من التغير والتبدل، ولأنه رمضان فمبررات هذا التغيير كثيرة، ولأنه رمضان حيث مساحة الزمن القصيرة، ولأنه رمضان حيث جمال الأنفس أكثر إشعاعا؛ وأكثر عطاء.

اليوم في رمضان: لم تتبدل الصورة كثيرا، وإنما ما أستجد هو الأداة فقط، وإن عاب البعض على البعض بتبدل النفوس، كما يعتقدون، فالنفوس لم تتبدل، وإنما مشاغل الحياة زادت، وارتباطات الناس كثرت، واهتماماتهم تشعبت، وهذا حقهم، فالعصر معبر عن حالات الإرهاصات التي تتم بين جوانبه، وهي الإرهاصات المربكة -كما هي العادة- لبعض القيم، ولكن الصورة في عموميتها لا تزال تتخندق على خصوصيتها المحلية، وتأتي نفس هذه الوسيلة التي أربكت القيم في جانب، لتعزز من الدور الإنساني في المجتمع في جوانب أخرى كثيرة، ومهمة، وقريبة الى اجتماعيتنا، ومحبتنا، ومعزتنا، وتآلفنا، وتقاربنا.

اليوم في رمضان: على امتداد الطرق الطويلة التي تربط بين المدن والقرى هناك لوحات إرشادية جانبية تحمل عبارة «إفطار صائم» تدعو الصائمين السالكين الطرق في ذلك الوقت إلى الإفطار، ومن ثم مواصلة المسير، هذه المبادرات المجتمعية لم تأت من فراغ، وإنما معبرة عن سخاء أنساني في غاية الروعة والأهمية.

اليوم في رمضان: كل المساجد بلا استثناء بها حوارات معرفية عالية القدر والقيمة، في القرى كما هو الحال في المدن، يتصدرها هذا الاهتمام المتميز بكتاب الله -عز وجل- حفظا، وتلاوة، وشرحا وتفسيرا، ومن بعده تسترسل بقية المعارف الإنسانية؛ في العلوم، والحساب، والجغرافيا، والتاريخ، والسيرة النبوية، حيث يتبارى أهل العلم والمعرفة لتنوير مجموع المتلقين، وفي جانب المسابقات المتعددة والمتنوعة تتسع المساحة أكثر بين طلبة العلم وغيرهم من المشاركين، يقينا ليس الهدف هو الجوائز، بقدر ما يكون الهدف أسما من ذلك.

اليوم في رمضان: تحتفل صالات الأندية بهذه الكوكبة من الشباب، تحتفل بهم تجمعا، وحضورا، تحتفل بهم همة ونشاطا، تحتفل بهم تنافسا وتسابقا، تحتفل بهم فرقا متعاضدة ومتكاتفة، تحتفل بهم احتواء ومحافظة عن السير بعيدا إلى مزالق اللهو والضياع، وللذين يعيبون مسابقات الكرة في الملاعب حتى الوقت المتأخر من الليل، فليخففوا من قلقهم، فهذا أفضل من الفراغ المشجع للضياع.

اليوم في رمضان: مساحة أكبر للعطاء، هذا العطاء السخي الجميل الذي تهبه النفوس المحبة للآخر، والمحبة للحياة، كل ذلك لترميم المشاعر الأخوية الصادقة، ولتفعيل سبل الموآزرة والتناصر والتكامل، والتعاون، حيث تنسل هذه النفوس من متعلقات الحرص، والبخل، والخوف من الفقر، فتقبل على عمل الخير مسرورة مبتهجة، فالشهر رمضان؛ وفي رمضان يتضاعف الأجر، فالفريضة بسبعين فريضة، والسنة بفريضة، والعطاء، أبدا، بعشر أمثاله، ومما ذكر في هذا الشأن: «يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه » كما هو النص، وفق المصدر.

اليوم في رمضان: تهليل وتسبيح وتحميد، تنعتق فيه النفوس من أدرانها، وتعود إلى فطرتها، لم يغير الزمان كثيرا من هذه الصورة الإيمانية الراقية، فلا تزال النفوس تتهافت إلى بيوت الله، ولا تزال القلوب معلقة بالرجاء إلى الله، ولا تزال الأكف مرتفعة ؛ تتوسل إلى من بيده الأمر، وسيظل رمضان كما عهدناه، ونعيشه.