روضة الصائم

فيما للقاضي وما عليه (5)

09 يونيو 2017
09 يونيو 2017

زهران بن ناصر البراشدي -

القاضي بالمحكمة العليا مسقط -

جعل الحق سبحانه وتعالى من أولويات الأمانة إظهار العدل والمساواة بين المتقاضين القريب منهم والبعيد والحبيب والبغيض والقوي والضعيف، والشريف والوضيع، والرفيع والخفيض، والأبيض والأسود والأحمر والأشقر إلخ. وبين أن الميل عن ذلك والمحاباة في التعامل مع بني الإنسانية من الهوى الممقوت في الدين والبعد عن الحق والصراط المستقيم بل من كبائر الذنوب التي تورد صاحبها المهالك. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّا أَوْ فَقِيرا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا).

ويؤيد ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة الوداع: أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، ألا وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر، ولا أحمر على أسود، إلا بالتقوى ألا هل بلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليبلغ الشاهد الغائب...».

وليكن القاضي سهلا حليما وقورا متعطفا رحيما متثبتا في أموره متثاقلا عن الدنايا رحيما بالآخرين متعطفا سليما فطنا لبيبا، ورعا عن الشبهات، مقيلا للعثرات، محتملا للائمة بعيدا عن الدنايا، مسارعا للخيرات متأسيا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار وتابعيهم الأخيار في المظهر والمخبر، حريصا على عمل الآخرة، قدوة للآخرين في إتيان كل خير واجتناب كل سوء وضير، يحترم الصغير ويوقر الكبير، وإذا قدر عليهم فليذكر قدرة الله عليه.

فعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير».

وليكن مقصده رضا الله تعالى من غير أن يعبأ بكلام أحد من الناس سوى المعصوم صلى الله عليه وسلم. لا تأخذه في الله لومة لائم، وليمض لأمر الله ويتوكل على الله الحي القيوم الذي لا يموت، ويصلح ما بينه وبين الناس، والله بعباده لطيف خبير. وليكن ممن قال الله فيهم (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وليكن حذرا من الشيطان اللعين ومزالقه وما يدعو إليه، قاصدا إظهار العدل والإصلاح بين المخلوقين، آتيا للمعروف آمرا به، مجتنبا للمنكر ناهيا عنه، متذكرا قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) ممتثلا لأوامر الشارع، مجتنبا لمناهيه. واضعا العدل بين الخلق نصب عينيه، متذكرا قول الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَة فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ). وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

فإذا أراد أن يخرج إلى مجلس الحكم الذي يحكم فيه بين الناس فلا يخرج إلا وهو صافي الذهن نشيط النفس، فارغ من جميع مشاغل الحياة، وليخرج وعليه السكينة والوقار.