روضة الصائم

وصايا لقمان لابنه «4»

08 يونيو 2017
08 يونيو 2017

د. أحمد بن جابر المسكري - كلية العلوم الشرعية -

من الأسرار بيانيّة التي تتجلّى بها حقيقة الكفر في قوله عزّ وجلّ: «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» ان جاء التّعبير عن الكفر بالماضي: أ- لأنّه يدلّ على المرّة، وذلك مشعر بأنّ الكفر يُتَضَرّر بالمرّة منه، ب- إشارة إلى قبح الكفر، وأنّ من شأنه أن لا يقع إلا فيما مضى، ج- حثّا للنّاس على التّوبة وأن يعتبروا الكفر جزءا من الماضي الذي لا يعود. د- لأنّ الفعل الماضي أكثر في الاستعمال من الفعل المضارع، فدلّ ذلك على كثرة الكافرين، كما يقول ربّ العزّة سبحانه وتعالى: «قتل الإنسان ما أكفره».

وحذف جواب {ومَن كَفَر}، والتقدير: فما ضرّ إلا نفسه، وأغنى عن هذا الجواب قوله: {فإنّ الله غنيٌّ حَميدٌ}.

وممّا يبعد المؤمن عن الكفر بالله سبحانه يقينه بأنّ الله غنيّ، أي: غير محتاج إلى مخلوق، ولا يستفيد من شكر العباد شيئا، بل تعود فائدة الشّكر على الشّاكر، ويقينه بأنّ العبد هو المحتاج لمولاه. وممّا يبعد المؤمن عن الكفر بالله سبحانه يقينه بأنّ الله حميد، وفعيل هنا بمعنى مفعول، أي: محمود بلسان الكائنات جميعا، كما قال: «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ» سورة الرّعد، وقال: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا » سورة الإسراء، فيشمل التسبيح كلّ ذرّة من ذرّات الكون، فتتناغم حركة المؤمن مع حركات هذا الكون في التسبيح والخضوع لله الواحد القهار، فيشعر بالطمأنينة ويكتسي بالسعادة البالغة. وننتقل إلى قوله سبحانه وتعالى: «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ». فإعراب (إذ) هو: ظرف متعلق بالفعل المقدر الذي دل عليه ما قبله، والتقدير: وآتيناه الحكمة إذ قال لابنه، ويجوز أن يكون (إذ) ظرفا متعلّقا بفعل اذكر محذوفا. وفي قوله: «وَهُوَ يَعِظُهُ» أسرار بيانيّة تدلّ على تلبّس ابنه بالمعصية: 1- الواو واو الحال، والجملة بعده جملة حاليّة، ويفهم من ذلك كما يرى بعض المفسّرين أنّ ابن لقمان كان متلبّسا بالإشراك عندما وعظه. 2- الوعظ هو النّصيحة بطريقة فيها ترقيق للقلب وإثارة لكوامن الخوف والرّجاء، ليرتدع الموعوظ ويزدجر عن معصيته. وإلى اللقاء في الغد بمشيئة المولى سبحانه وتعالى.