روضة الصائم

مميزات التفسير لتلك المرحلة التاريخية

08 يونيو 2017
08 يونيو 2017

د. سعيد بن سليمان الوائلي - عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشريعة -

أيها الأخ المتابع، إنك لتدرك بما مر عليك سابقا في هذا الباب أن لتفسير القرآن الكريم عند الصحابة الكرام ما يميزه على غيره من تفاسير من جاء بعدهم من التابعين وغيرهم، وهذا ينعكس عما ذكرناه سابقا من قدرتهم على التفسير وتمكنهم في العلوم الشرعية بما جعلهم أهلا في ذلك، من أنهم شاهدوا التنزيل وعاصروه، وأدركوا أسباب النزول وعرفوها، إضافة إلى قوة فهمهم، وسعة إدراكهم ومعرفتهم بأوضاع اللغة وأسرارها، وأحوال الناس وعاداتهم، مما جعلهم يستوعبون ما في القرآن من المعاني والأحكام والحكم..

ونستطيع أن نسطر تلك المميزات للتفسير في هذه المرحلة التاريخية، بما نجعله في صورة نقاط تفتح لنا أفقا أوسع لإدراكه وتصوره.. حيث يمتاز التفسير في هذه المرحلة بالمميزات التالية:

أولا: لم يفسر القرآن الكريم كاملا، فلم ينقل إلينا تفسير الصحابة لجميع الآيات القرآنية، ولا أكثرها، وإنما فسر بعضه، وهو ما غمض فهمه، وبعبارة أدق: نقل إلينا تفسير من الصحابة لبعض الآيات. وهذا الغموض كان يزداد كلما بعد الناس عن عصر النبي والصحابة. فكان التفسير يتزايد تبعاً لتزايد هذا الغموض، إلى أن تم تفسير آيات القرآن جميعها في العصور التالية.

ثانيا: قلة الاختلاف بين الصحابة في فهم معاني القرآن، فلم يكن مجال الاختلاف واسعا في عهدهم، بل كانت دائرته ضيقة جدا، فإذا ما وجد الاختلاف في نص وما يحمله من معنى غالبا ما يزول بالاتفاق على معنى ما وتسليم لأمر معين.

ثالثا: كانوا كثيراً ما يكتفون بالمعنى الإجمالي لنصوص القرآن، ولا يلزمون أنفسهم تفهم معانيه بالتفصيل: فيكفي أن يفهموا من مثل قوله تعالى: (وفاكهة وأبّاً) أنه تعداد لنعم الله تعالى على عباده.. مما جعل طابع عصرهم السلامة مما يتبع التفصيلات من الدراسة والبحث.

رابعا: الاقتصار على توضيح المعنى اللغوي، فقد كان حمل المعنى من النص من دلالة اللغة العربية التي برعوا فيها ولم يتكدر لديهم صفوها، وكأن المعنى اللغوي الذي فهموه مفتاح لدلالة النص الشرعي، فيعبرون عنه بما يفي بالغرض، مثل قولهم في قوله تعالى: (غير متجانف لإثم) أي غير متعرض لمعصية.

فإن زادوا على ذلك، فما عرفوه من أسباب النزول.

ومن ذلك: ندرة الاستنباط العلمي للأحكام الفقهية من الآيات القرآنية، حيث كانوا مبادرين للاستجابة للنداء ولامتثال الأوامر والنواهي ابتغاء مرضاة الله تعالى، فلم يكن عندهم مجال للبحث والنظر في المصالح والفوائد المترتبة على الأحكام التفصيلية، أو بمعنى آخر لما يجعلوا ذلك مؤثرا على سرعة استجابتهم وامتثالهم للتكاليف الشرعية طاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم. وتبعا لهذا العنصر لا وجود للتعصب للرأي في عهدهم ولا الانتصار للمذاهب الدينية بما جاء في كتاب الله، نظراً لاتحادهم في العقيدة ولأن الاختلاف المذهبي لم يقم إلا بعد عصرهم رضي الله عنهم.

ومنها: أنه لم يدون شيء من التفسير في هذا العصر، لأن تدوين العلوم بالصورة المعروفة لم يكن إلا في القرن الثاني الهجري. نعم! أثبت بعض الصحابة بعض التفسير في مصاحفهم فيما يروى عنهم، فظنها بعض المتأخرين من وجوه القرآن التي نزل بها من عند الله، وعلى كل حال لا يعدّ ذلك من التدوين في علم التفسير.

ومن تلك الملامح: أن علم التفسير اتخذ في هذه المرحلة شكل الحديث، بل كان جزءاً منه وفرعاً من فروعه، حيث لم يتخذ التفسير شكلاً منظماً، بل كانت هذه التفسيرات تروى منثورة بحسب مادة الحديث، وتكون لآيات متفرقة، كما كان الشأن في رواية الحديث: فتفسير آية في باب الإيمان بجانب حديث في الصلاة، وتفسير آية في الفقه أو المواعظ والحكم بجانب حديث في جهاد، وحديث يروى في الميراث بجانب حديث في تفسير آية قرآنية في موضوع منفصل، وهكذا.

في حقيقة الأمر، مما ينبغي أن يشار إليه قبل ذلك: حرص الصحابة على تعلم معاني القرآن الكريم، وقد ورد ما يدل على ذلك ويؤكده في عدة آثار، منها: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ، لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يعرفَ مَعَانِيَهُنَّ وَالْعَمَلَ بِهِنَّ» وهم في ذلك يضربون لنا أروع الأمثلة في حمل المعنى من النص وتطبيقه في أرض الواقع.