روضة الصائم

الحب .. داء ودواء

08 يونيو 2017
08 يونيو 2017

فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي -

الحب جعله الله سبحانه وتعالى دواءً لمشكلات ومصائب الإنسان.. وجعله في الوقت ذاته داءً يتسبب عنه الكثير من مصائب تتوضع في كيان الإنسان.. هل سمعتم عن عُقَارٍ خلقه الله سبحانه وتعالى هو داء للإنسان ودواء له في وقت واحد؟! لقد خلق الله سبحانه وتعالى هذا العقار.. إنه الحب... الحب جعله الله سبحانه وتعالى دواءً لمشكلات ومصائب الإنسان وجعله في الوقت ذاته داءً يتسبب عنه الكثير من مصائب تتوضع في كيان الإنسان. إذا اتجه القلب بالحب إلى الرغائب والشهوات الدنيوية، إذا اتجه القلب بالحب إلى العصبية للذات وللنفس، إذا اتجه القلب بالحب إلى رغبات الأهواء، الرئاسة، الشهرة، جمع كنوز المال فإن الحب في هذه الحالة يغدو داءً وبيلاً من أخطر الأدواء التي تتوضع في كيان الإنسان فرداً ومجتمعاً.

أما إن تَوَجَّهَ الحب في فؤاد الإنسان إلى خالق الإنسان عز وجل، إلى الإله الذي بيده حياة الإنسان، بيده نفعه وضره، إلى الإله الذي يتقلب الإنسان أياً كان في بحر متلاطم الأمواج من نعمه التي لا تُحْصَى، أما إن وجَّهَ الإنسانُ قلبَهُ بالحب إلى إلهه هذا فالحب عندئذٍ دواءٌ ناجع، دواءٌ لكل المصائب التي يعاني منها الإنسان فرداً أو مجتمعاً.

ولقد أنبأنا بيان الله سبحانه وتعالى عن هذين الأثرين المتناقضين للحب، أنبأنا بيان الله سبحانه وتعالى عن الحب عندما يكون داءً وحذَّرَ منه أيَّمَا تحذير، وأنبأنا عن الحب عندما يكون دواءً وأمَرَنَا أن نتحقق به. يقول الله سبحانه وتعالى وهو يوضح لنا وظيفة الحب عندما يكون داءً وعندما يحذِّرُنَا الله سبحانه وتعالى منه، يقول: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).. أرأيتم كيف ينبِّهُنَا الله عز وجل إلى الداء الكامن في الحب عندما يتجه الإنسان بحبه إلى ما ليس أهلاً لحبه، أرأيتم كيف يحذِّرُ البيان الإلهي الإنسانَ من أن ينقاد إلى هذا البلاء الوخيم، إلى هذه المصيبة بل إلى سلسلة المصائب التي تتفرع عن هذا الداء؟!.

أما الحب الدواء فيلفت البيان الإلهي أنظارنا إليه قائلاً: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ)، ثم يؤكد هذا ببيان أدقَّ بل أكثرَ تفصيلاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، فهذا هو الحب الذي يكون دواءً لمشكلات المسلمين أياً كانت اجتماعية أو فردية.

عباد الله: تعالوا – بعد هذا البيان الإلهي الذي كم وكم تاهَ المسلمون عنه لاسيما في هذه العصور – تعالوا نتبين مشاكلنا الراسخة في كياناتنا، إنها مشكلات كثيرة يضيق الوقت عن استعراضها وتفصيل الحديث عنها.. مشكلات تتمثل في تشرذم هذه الأمة وتفرقها، مشكلات تتمثل في افتقارها عن غنى وما كانت يوماً ما فقيرة قط، مشكلات تتمثل في الضعف الذي توضَّعَ في كيانها، وما كانت هذه الأمة في يومٍ من الأيام إلا مضرب المثل للقوة، مشكلات تتمثل في الذل بعد العز، وكلنا يعلم أن تاريخ هذه الأمة ينتشي بالعزة التي متَّعَهَا الله سبحانه وتعالى بها، هذه المشكلات – يا عباد الله – ما أكثر ما نتلاقى للحديث عنها ولتجاذب الآراء بحثاً عن علاجاتها، كم وكم تحققت في سبيل البحث عن هذه المصائب وعلاجاتها ندواتٌ وكم تلاقى الناس في مؤتمرات، وكم وُضِعَتْ خطط ورُسِمَتْ سبل في سبيل التخلص من هذه الأمراض المتوضعة في كيان أمتنا الإسلامية جمعاء، ولكن كل هذه الجهود لم تثمر، ولم تعد جهود المسلمين على اختلافها إلا بالخيبة وهي حقيقة ما ينبغي أن نتجاهلها.