أفكار وآراء

الصراع وراء ارتفاع وهبوط أسعار النفط

07 يونيو 2017
07 يونيو 2017

دانييل يرجين -

ترجمة قاسم مكي -

وول ستريت جورنال -

يدور صراع كبير في سوق النفط العالمية، ففي جانب، توجد قوى تدفع لإعادة التوازن بين العرض والطلب. وعلى الجانب الآخر أولئك الذين يضغطون لإعادة ضبط أو إعادة تصحيح أوضاع صناعة النفط بحيث تشتغل (وتكون مربحة) بتكلفة أقل. يفسر هذا التوتر استمرار تقافز سعر النفط باتجاه 60 دولارا للبرميل ثم تراجعه مرة أخرى قريبا من 40 دولارا. لقد انهارت أسعار النفط عند نهاية 2014 لاختلال التوازن بين العرض والطلب.

ففي ذلك العام زادت الإمدادات العالمية للنفط بسرعة تعادل مرتين ونصف سرعة الزيادة في الطلب. وكانت ثورة النفط الصخري السبب الرئيسي لهذا الاختلال. فقد زادت الإمدادات الأمريكية بحوالي 1.4مليون برميل في اليوم عام 2014. وهو ما كان يشكل 60% من إجمالي الزيادة في عرض النفط. وكان هناك توقع على نطاق واسع في عام 2014 بأن السعودية ستخفض إنتاجها للمحافظة على ارتفاع الأسعار. ولكن الرياض سبق لها أن جربت الخفض في أعوام الثمانينات فقط لتشهد انكماشا دراميا في حصتها السوقية نتيجة لذلك.

وكان وزير النفط السعودي السابق على النعيمي قد ذكر قبل عامين أنهم «لن يقعوا في نفس الخطأ مرة أخرى» لقد أوضح السعوديون، على وجه التحديد، أنه لن يكون هناك اتفاق لخفض الإنتاج دون مشاركة المنتجين غير الأعضاء في منظمة أوبك خصوصا روسيا، أكبر منتج للنفط في العالم. وبحلول خريف عام 2016، كان انخفاض الأسعار قد أدى إلى خفض الإمدادات وعزز الطلب مما حرك كفتي الميزان باتجاه التوازن. فقد هبط إنتاج النفط الأمريكي بحوالي مليون برميل في اليوم. كما قل الإنفاق على استكشاف وإنتاج النفط حول العالم للفترة من 2015 إلى 2019 بنسبة 50% قياسا بما كان متوقعا في عام 2014 قبل انهيار الأسعار. وفي نفس الوقت زاد الطلب في عام2016 بحوالي الضعف تقريبا من معدل زيادته في عام 2014.

وفي ديسمبر الماضي اتخذت البلدان المصدرة للنفط إجراء لم يكن من الممكن اتخاذه في عام 2014. فقد اتفقت على خفض الإنتاج. وكان نائب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد ذكر في وقت سابق من هذا الشهر(مايو) لقناة تلفزيونية أن «الإيرادات النفطية ..... هي السبب الرئيسي.» وحتى روسيا، التي كان صندوق ثروتها السيادي المدخر للأيام العجاف يشهد استنزافا متسارعا، أبدت موافقتها على الخفض. كما قبلت بذلك عشرة بلدان أخرى ليست عضوة في أوبك. ومع تحرك السوق مرة أخرى باتجاه التوازن، استنتجت هذه المجموعة الموسعة أن إجراء تخفيضات تصل في جملتها إلى 1.8مليون برميل أو نحو ذلك في اليوم ستكون كافية للقضاء على فائض الإمدادات الذي يؤثر على توازن السوق. لقد كان تقيد بلدان أوبك بالحصص لافتا وذلك في تباين حاد مع ما كان يحدث في السابق. فبحلول مارس عاودت الأسعار الارتفاع بنسبة 75% من أدنى مستوياتها في عام 2016. ولكن منذ ذلك التاريخ هبطت الأسعار.

إن إعادة التوازن تصطدم الآن بالقوة الأخرى. أي قوة إعادة ضبط أو تصحيح التكاليف عند مستوى أقل لأسعار النفط. فإعادة الضبط الكبيرة هذه تعيد تشكيل طريقة عمل الصناعة النفطية العالمية. لقد صار ذلك واضحا أولا في الولايات المتحدة. فقد قاد الانهيار في الإيرادات علاوة على أعباء الديون الثقيلة إلى حالات إفلاس عديدة وإلى توقعات بأن تكون الأسعار «أكثر تدنيا لفترة أطول.» ولم يكن لدى منتجي النفط الصخري خيار آخر سوى تقليص التكاليف إذا أرادوا البقاء. وفي غضون هذه العملية ( أي عملية خفض تكاليف الإنتاج) صاروا أكثر كفاءة وتركيزا وابتكارا. فالبئر الجديدة التي كانت تكلف 14مليون دولار في 2014 صارت تكلفتها الآن 7 ملايين دولار. لقد كان المكسب المتحقق في الكفاءة كبيرا بحيث إن دولارا واحدا يستثمر في النفط الصخري الأمريكي اليوم سينتج نفطا يساوي حوالي مرتين ونصف كمية النفط الذي ينتجه الدولار الواحد المستثمر في عام 2014 ، بحسب شركة آي إتش إس ماركت. وفي عام 2014، اعتقد العديدون أن هبوط سعر النفط إلى 70 دولارا للبرميل من 100 دولار سيوقف الإنتاج الأمريكي. ولكنه لم يفعل ذلك. فاليوم يمكن أن يكون النفط الصخري الجديد مربحا عند سعر 50 دولارا إلى 40 دولارا للبرميل. بل تدعي بعض الشركات أنه سيكون مربحا عند سعر أقل من ذلك. وهذا يجعل من الممكن حدوث ارتفاع جديد في الإنتاج الأمريكي بإضافة ما يصل إلى 900 ألف برميل في اليوم خلال هذا العام. وبحلول العام القادم، من المرجح أن تبلغ الولايات المتحدة أعلى مستوى لإنتاجها النفطي في تاريخها كله. إن إعادة تصحيح ومواءمة التكلفة تحدث في كل مكان، حسبما يكشف تحليل جديد لشركة آي إتش إس ماركت. فالرمال النفطية في كندا ظلت دائما الأعلى تكلفة. ولكن الآن توجد مشروعات جديدة هناك يمكنها الإنتاج عند سعر يقرب من 50 دولارا للبرميل. وفي روسيا هبطت التكاليف بأكثر من 50%. بل حتى حقول المياه العميقة داخل البحر يمكنها الآن الإنتاج عند سعر أقل من 50 دولارا للبرميل. وفي مارس، كان الرئيس التنفيذي للشركة النرويجية ستات أويل قد ذكر في أثناء انعقاد «مؤتمر سيراوييك» أن مشروعا نفطيا في بحر الشمال كان يلزمه سعر 75 دولارا للبرميل كي يكون اقتصاديا يحتاج الآن إلى سعر 27 دولارا فقط ، بفضل إعادة تصميمه بالكامل. ستزيد إعادة التصحيح هذه الإمدادات بأكثر مما كان متوقعا، على الأقل في الأعوام القليلة القادمة. ولكن ثمة أسئلة كبيرة هنا وهي: ما مقدار التوفير في تكلفة إنتاج النفط الذي يعود إلى الابتكار والكفاءة وطرق العمل الجديدة؟ وما مقدار التوفير الذي يعود إلى التخفيضات الدرامية في الإنفاق التي قادت إلى خفض أعداد العاملين وتعطيل أجهزة الحفر والمعدات الأخرى؟ وما الذي سيحدث «حين يزداد الطلب وينكمش العرض» في أسواق العمالة والمعدات والخدمات؟ مع ارتفاع وتيرة النشاط سترتفع كذلك تكاليف حقول النفط. لقد وضح ذلك في الحقل البيرمي في غرب تكساس ونيومكسيكو، وهي المنطقة التي تشهد نشاطا مكثفا في مجال حفر آبار النفط اليوم. فالشركات الكبيرة والصغيرة على السواء تتدافع إلى هناك وكذلك مستثمرو رأس المال المساهم الخاص. لقد أدرك هؤلاء أن تقنيات النفط الصخري قد تجعل الحقل البيرمي، فيما يتعلق باستخراج النفط، ثاني أكبر حقل نفطي في العالم. وآثار ذلك واضحة. فمع ازدياد حفر الآبار، بدأت الاختناقات والندرة فيما يخص القوة البشرية والإمدادات والمعدات. وقد تزيد التكاليف في الحقل البيرمي بنسبة 15% إلى 20% هذا العام في حين أنها ستظل دون زيادة أو نقصان في معظم باقي الصناعة النفطية. ومع عودة منتجي النفط إلى مستوى نشاطهم المعتاد حول العالم، سيتم استرجاع بعض الوفورات الكبيرة التي تحققت في مجال تكلفة الإنتاج الأمر الذي سيدعم إعادة التوازن (بين العرض والطلب) لذلك سترتفع أسعار النفط. ولكن الصناعة النفطية برمتها خضعت لإعادة تصحيح (في تكلفة إنتاجها) عند مستوى أسعار أقل. فهذه الصناعة التي اعتادت قبل بضعة أعوام على سعر 100 دولار للبرميل تعتبر ذلك السعر الآن انحرافا (عن الوضع العادي للأسعار) لن يتكرر إلا إذا وقعت أزمة دولية أو حدث انقطاع رئيس في الإنتاج. إن الدروس المستفادة حول تكاليف إنتاج النفط منذ انهيار أسعاره لن تختفي. فهي أقوى من أن تنسى وأشد إيلاما.

• الكاتب نائب رئيس شركة آي إتش إس ماركت ومؤلف كتابين عن النفط هما «الجائزة» و«المسعى».